مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … عندما تبدأ الجغرافيا في التحوّل… من يُعيد رسم الخرائط؟ .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

“حين تُعاقَب الصين سواء التزمت الحذر أم لا، فالأرجح أنها ستختار عدم الحذر!”
ترامب لم يكتفِ بالعودة إلى المشهد، بل عاد كالزلزال. بفرضه ضرائب جمركية تصل إلى ١٠٤% على البضائع الصينية، أعلن الرجل أن مرحلة “الحروب التجارية المحدودة” قد ولّت، وأننا دخلنا عصر العقوبات الاقتصادية الصادمة، الموجهة لا لإعادة التفاوض بل لكبح النمو، وإجبار الخصم على النزيف.
لكن، ما دخل السودان والقرن الإفريقي في صراع الجبابرة؟ ولماذا يجب على الخرطوم، وغيرها من عواصم الإقليم، أن تُصغي جيدًا لصوت المعركة القادمة من واشنطن وبكين؟
من الجمركة إلى الجيوسياسة: الصين المقيّدة تنفجر خارجيًا
لأكثر من عقدين، مارست الصين لعبة الصعود الصامت. تسلّلت إلى إفريقيا بمشروعات بنية تحتية، وقروض بلا ضجيج، وصفقات مبنية على مبدأ “لا تسأل ولا تتدخل”. لكن هذه السياسة كانت دومًا مشروطة بوجود هامش آمن مع واشنطن. لا تستفز، لا تهيمن، لا تسحب البساط سريعًا.
لكن ترامب يكسر هذه المعادلة. العقوبات ليست رسائل تفاوض، بل رسائل خنق. فماذا لو قررت بكين، ردًا على هذا الخنق، أن تخلع قفازها المخملي، وتلعب في الهامش الجغرافي الذي طالما راعَت فيه مشاعر واشنطن؟
هنا يدخل السودان….
السودان… بين مطرقة واشنطن وسندان بكين:
إذا قررت الصين أن تُسرّع انخراطها في الشرق الأوسط وإفريقيا، فإن السودان – بموقعه الذي يربط قلب القارة بساحل البحر الأحمر، وبموارده الطبيعية واحتياجاته التنموية – سيكون أحد أوائل المواقع المرشحة للانفجار الجيوسياسي.
* الصين قد ترد على التصعيد الأميركي عبر مسارات غير تقليدية:
* تحويل استثماراتها “الآمنة” في إفريقيا إلى أدوات نفوذ سياسي صريح.
* تعزيز الوجود البحري في البحر الأحمر من خلال دعم الموانئ والبنى الدفاعية، بما فيها السودان.
* كسر الاحتكار الأميركي-الغربي لمجال الأمن والاستقرار عبر تقديم عروض حمايات مرنة للأنظمة الإفريقية، أو دعم توازنات جديدة على الأرض.
وهنا، على صانع القرار السوداني أن يطرح السؤال الصعب:
هل يمكن اللعب على الحبلين حين تقطع الحرب الاقتصادية الحبال؟
مخاطر الاستقطاب ومكاسب التوازن:
التحوّل الصيني المحتمل من الحذر إلى الجرأة، قد يجعل السودان أمام خيارين:
١. الانحياز الذكي: اختيار طرف دون إعلان، واستخدام الطرف الآخر ككارت تفاوضي.
٢. التوازن المحترف: هندسة سياسة خارجية تعتمد على “المرونة الاستراتيجية”، حيث يُدار النفوذ لا يُرفض.
في كلا الخيارين، يتطلب الأمر دبلوماسية هجومية ذات نفس طويل، تفهم أن التنافس العالمي لا يُخاض بالشعارات، بل بالموانئ، والترددات، والمواد الخام، والتحالفات الصامتة.
هل من فرصة وسط الدخان؟
نعم. في قلب التوتر، تُولد الفرص. فالعالم لا يبحث الآن عن الأنظمة الأكثر ديمقراطية، بل عن الدول الأقدر على الصمود والانخراط في شبكة النفوذ الكبرى دون أن تتحول إلى تابع أعمى.
ولعلّ السودان، وفق رؤية إستراتيجية الجسروالمورد، يستطيع أن:
* يعيد التفاوض على شروط علاقاته مع بكين وواشنطن معًا.
* يجذب استثمارات عالية القيمة مقابل مواقف ذكية لا مجانية.
* يتحوّل إلى مركز توازن في القرن الإفريقي، لا مجرد هامش متنازع عليه.
أصل القضية: كل شيء يتغيّر
ترامب يشعل النار. الصين تتأهب. أوروبا تترقب. إفريقيا تختبر نفسها.
أما السودان، فإما أن يكتب اسمه في السطر الأول من مستقبل المنطقة… أو يُكتب عليه أن يبقى في الحاشية، رهينة قرارات لا يصنعها.
الفرصة لا تأتي مرتين. والعالم لا ينتظر المترددين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى