مقالات الرأي

أصل القضية .. هدير الجبهات القادمة .. بقلم/محمد أحمد أبوبكر .. باحث بمركز الخبراء العرب

من طهران إلى تل أبيب… والسودان بين ظلال الحسم وأضواء التاريخ في تلك الليلة، لم تكن الأرض ساكنة، بل كانت تحبس أنفاسها. السماء ترتجف، وموازين القوى ترتّبك. لم يكن مجرد اشتباك بين إيران وإسرائيل، بل لحظة تكثّفت فيها كل تناقضات العالم، وتحركت خطوط التاريخ من سباتها.

الضربة الإسرائيلية لم تكن عملية استخباراتية تقليدية، بل مقامرة خاسرة بسمعة الردع. في المقابل، جاء الرد الإيراني لا كصيحة غاضبة، بل كـ”إعلان وجود استراتيجي” أُعدّ بعناية بين جدران المخابرات ومختبرات السلاح، ثم خرج للعالم بلغة لا يفهمها إلا الكبار: لغة النار، والتوازن، والكرامة.

> طهران تتحدث… بلغة لم تُسمع منذ قرون

إيران لم تستخدم سلاحها الجوي كاملاً، لكنها أسقطت ثلاث طائرات F-35، واحتجزت أحد طيّاريها. هي ليست فقط رسالة ردّ، بل مشهد افتتاحي في مسرح ما بعد القطبية الواحدة. صواريخ دقيقة، مسيّرات انسيابية، وعقل بارد يُمسك بخيوط اللعبة.
لقد تحوّلت نظرية الردع إلى فن من فنون السياسة الجديدة، وكل من لا يفهمه اليوم… سيتعلّمه من فوهة بندقية.

إسرائيل تترنّح: ماذا يعني أن يفقد العدو قدسيته؟

* لأول مرة، يُضرب الداخل الإسرائيلي بهذه الدقّة، ويُخرق المجال الجوي أمام العالم.
* انكسر “الهيكل الأمني” المفترض، وسقطت معه أوهام “التفوّق الأبدي”.
* سقطت الهالة. وبدأت المراجعة.
وهنا لا يعود السؤال: من ربح الضربة؟
بل: من فهم الدرس؟

السودان… حين ينطق التاريخ من قلب الخرطوم
في خضم النيران، خرج بيان الخارجية السودانية لا كتعليق عابر، بل كنُطق جديد لموقع السودان في النظام العالمي المتحوّل.

> “ندعم حق إيران الكامل في الرد على العدوان الإسرائيلي السافر…”

لم يكن مجرد تضامن. كان كسرًا لصمتٍ طويل، وإعادة رسمٍ لمعادلة الانتماء والاصطفاف. كان الخطوة الأولى في طريقٍ طويل اسمه:
“استراتيجية الجسر والمورد”.

استراتيجية الجسر والمورد: من فكرة إلى امتحان
في هذه اللحظة التاريخية، يتجلّى “الجسر والمورد” ليس كخطاب أكاديمي، بل كمنظور بقاء واستنهاض.

الجسر: ليس حيادًا سلبيًا، بل دورًا حيويًا ذكيًا يجعل السودان ممرًا للحوار لا للحروب، منصّة وصل لا ساحة قتال، قوة توازن لا طرف نزاع.

المورد: لم يعد مجرد ذهب وبترول، بل هو الشرعية الرمزية الوحيدة الباقية في عالمٍ مخذول… السودان الذي لا يفرّط في وحدة ترابه، ولا يخون قضيته الأبدية: فلسطين.

وها هو يبدأ في توسيع حزام سيادته باتجاه الشرق، دون أن يتنازل عن كرامته في مواجهة التغوّل الغربي.

نداء الكرامة – CODAS
تحالف السيادة الإفريقية: من الخرطوم تبدأ الموجة
في مواجهة محور “الهيمنة القديمة”، تنطلق من الخرطوم دعوة فكرية واستراتيجية عنوانها:

> نداء الكرامة (Coalition of Dignity for African Sovereignty – CODAS)

نداء يهدف إلى:
* استنهاض القارّة الإفريقية كصوت سيادي موحد في عالم الانقسامات.

* بناء محور استقلالي جديد، يجمع طهران، أنقرة، الجزائر، كيب تاون، ونيامي… تحت مظلة الوعي، لا الوصاية.

* إعادة اعتبار السودان مركزًا روحيًا واستراتيجيًا لصوغ مستقبل إفريقيا الحرة.

لماذا الآن؟
لأننا أمام لحظة يُعاد فيها تشكيل كل شيء:
الخرائط… القيم… التحالفات… والهيبة.

ما الذي يجب أن يفعله السودان الآن؟
اولا : التحالف لا الانحياز
* قيادة جهود تأسيس تحالف السيادة الإفريقية (CODAS).

* الخروج من قيد “محاور الوصاية” نحو ساحات التفاعل المتوازن مع الجميع.

ثانيا: الإعلام رسالة دولة
* تأسيس منصة ناطقة باسم “نداء الكرامة”.

* إنتاج وثائقيات ومنصات سردية تستنهض الوجدان الإفريقي والعالمي من منظور سوداني.

صوتٌ من الغد: لحظةٌ سودانية بامتياز
> “من يضرب طهران، لا يسمع الردّ فقط… بل يسمع صداه في نهر عطبرة، وعلى ضفاف أمدرمان.
ومن يدعم فلسطين، لا يوقع بيانًا… بل يُوقّع شهادة ميلاده دولةً حيّة، في زمن تسقط فيه دول بلا قتال.”

السودان اليوم ليس شاهداً على لحظة التحول العالمي… بل هو صانع لها، ومحورها الصاعد، ونبضها المتجدد.
ولعل ما جرى بين طهران وتل أبيب هو الشرارة،
لكنّ الخرطوم هي المنارة.

أصل القضية،،،
حين تُقرع طبول التاريخ، لا مكان للمحايدين.
إما أن تكون جزءًا من الموجة… أو تغرق في رمال الحيرة.

والسودان، هذا البلد المجبول بالصبر والعزة، اختار أن يكون القائد… لا التابع.
اختار أن ينادي: “نداء الكرامة”.
ومن قلبه، ستُكتب فصول ما بعد الرد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى