أصل القضية … همس الرسائل: صوتٌ من عمق (التكايا) يروي أصل القضية .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر – باحث بمركز الخبراء العرب

ليست التكية وعاء طعام و لا خيمة فقير فقط، بل ذاكرةٌ حيّة تختزن دفء (المسايد)، و ندى الصباحات التي تُبشِّر بالخير في وجوه المارة. كتبنا عنها لا لنؤرخ طعامًا، بل لنوقظ ما اندثر من سلوكٍ كان في الناس دينًا و دُنيا، و كان في البيوت نغمةً من “اللقمة الباردة” التي تُقدَّم بحبّ لا يُعلن عن نفسه.
و في سلسلة مقالاتنا “من تكية الفول المُصلّح إلى تكية الأمل”، جاءت ردود القراء كصدى الروح للروح، و كان من بينها هذا الصوت الآسر الذي تفجَّر حنينًا و صدقًا من قلب محبٍّ مسكونٍ بالمكان، متوشِّحٍ بالمعنى…
رسالةٌ من الإسكندرية، كأنها خرجت من قلب قُبّة، و مشت على خطى جلابيب الأولياء، تحنّ إلى (المسيد) و تتوضأ بندى التكية…
💌 الحبيب الجميل / أبو أحمد
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
تكيَةُ الْمَسِيدِ وَ تكيَةُ الْفُولِ الْمُصَلَّحِ
(سُلُوكٌ يُعَاشُ وَ قِيَمٌ تَحْيَا مِنْ جَدِيدٍ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
● فكرة التكية هي العنوان الأبرز للتكافل الاجتماعي و التراحم .. هي تجسيد أصيل لتعاليم ديننا الحنيف .. و هي تعبّر عن أسمى معاني الإنسانية التي تتجاوز حدود الفرد لتحتضن المجتمع كله .. التكية مظهر حضاري قديم و مشرق قامت على تقديم الطعام و الملبس والرعاية للمحتاجين دون منٍّ أو أذى.
● اتفق معك تماماً بأن التكايا ليست مجرد موائد للطعام.. بل هي نبض حيّ لمجتمع يرفض أن يُغلق أبوابه في وجه المحتاجين .. هي منابر للتراحم و التكافل و الإيثار .. هي مدارس للأخلاق النبيلة.
● التكية في المسيد لم تكن مجرد مكان لإطعام الطعام .. بل هي امتداد لروح المسيد .. حيث يجتمع العلم مع العمل .. و العبادة مع الخدمة .. و الروح مع الجسد .. ففي تكية المسيد يجد الجائع اللقمة .. و يجد الغريب المأوى .. و يجد العابر دفء القلوب.
● تكية الفول المُصلّح عنوان لمجتمع يعرف كيف يُحوّل البسيط إلى عظيم .. و كيف يُطعِم بروح المحبة لا التفاخر .. إنه عمل عظيم نقيّ خالص لوجه الله تعالى .. نابع من إيمان عميق بأننا جميعاً في حاجة إلى بعضنا البعض .. و أن الخير لا يُختزل في المال وحده .. بل في نية طيبة، و يد ممدودة و قلب لا يكلّ عن البذل.
● ما بين تكية المسيد و تكية الفول المُصلّح سلوكٌ يُعاش و قيمٌ تحيا من جديد .. يتجلّى فيهما المعنى الحقيقي للتكافل .. و نجد بين سطور العطاء فيهما رسالة مستمرة تقول: إن الخير باقٍ، و أن المحبة بين الناس لا تموت .. و أن الدين ليس فقط صلاةً و صياماً، بل سلوك يُعاش، و كرم يُجسّد و تراحم يُمارَس.
● فهنيئاً لكل من يُحيي هذه القيم و يجعل من التكية – أينما كانت – رسالةً يومية، لا مناسبة موسمية.
لست بصوفي .. و لست بمطرق .. و لن أحيد عن بيعتي لربي و رسوله عليه أفضل الصلاة و السلام لابن أنثى يمشي على رجليه ..
و لكن تجدني محبًا لهم، و لكثير من حاجاتهم، رغم تحفظاتي .. و شاءت إرادة الله – ما بقول الصدفة – أن أم عيالي تنحدر من أسرة صوفية أبً ا عن جد .. توارثوا القُبّة، و المسيد، و التكية و الديوان .. و الحمد لله اندثرت و تلاشت مع فناء أصحابها، فصارت أثرًا بعد عين و توزّعت تركةً مثلها و مثل الميراث.
و كبارنا قالوا: “الما عندو محبة، ما عندو الحبة” ..
فعشتُ المسيد و التكية في أبهى صورها دون منٍّ ولا أذى .. فالتكية آخر معالم الصوفية الحقّة بعد أن جُرّدت من كل شيء في هذا الزمن العجيب .. فتجدني محبًا للتكية، و خادمًا في محرابها.
و الله يا حبيب، تصدق؟ في ضيوف لما كانوا يجوا عندنا في البيت للشيخ و ما ظهرت ليهم، بسألوا: “اللّيلة جنابو ويييين؟” .. خاصة في المواسم…
فللتكية و المسيد وقع خاص في نفسي…
💜💐❤️💐💜
دُمْتَ بِخَيْرٍ يَا صَدِيقِي
مَعَ مَحَبَّتِي …
أَبُو فيئ
الإِسْكَنْدَرِيَّة – الخَمِيس
غُرَّة مُحَرَّم ١٤٤٦هـ
26 يُونْيُو 2025م