مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … “هندسة الانهيار المجتمعي”: المعركة الخفية على روح السودان .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في الحروب الكبرى، لا تُقاس المعارك فقط بعدد الرصاصات، بل بمدى قدرة الشعوب على حماية روحها من الانكسار.
و في السودان، تحت هدير المدافع و تناوب الفواجع، تتسلل حرب أخطر من أصوات البنادق: حرب تستهدف الذاكرة، و العزيمة و الإيمان بالمستقبل.

ليست حرب مدن مدمرة، بل حرب نفوس مكسورة.
و ليست حرب حدود متنازع عليها، بل حرب على فكرة الوطن نفسه.

هكذا تتجلى ملامح مخطط خطير، نرسم له اسمًا واضحًا في أدبيات استراتيجية “الجسر و المورد”:
“هندسة الانهيار المجتمعي” -السلاح الصامت، الذي إن تُرك بلا مواجهة، يفعل بالمجتمعات ما لا تفعله أقوى الجيوش.

في ميدان المعركة الخفية:

المخطط لا يُعلن نفسه بصراحة.
لا يطلب منك أن تستسلم… بل يجعلك تشعر أن لا جدوى من المقاومة.

– يُقصف النازحون ليُقال إن لا مكان آمن حتى للهاربين من الجحيم.

– تُستهدف محطات الكهرباء والمياه ليُقال إن أبسط شروط الحياة لم تعد مضمونة.

– تُبث الشائعات ليُقال إن السودان بلدٌ سقط ولن يقف ثانية.

إنها هندسة دقيقة للانهيار:
تجعل الخوف عادة، والانهيار مصيرًا، والاستسلام خيارًا.

أدوات التخريب الناعم:

– هندسة الانهيار المجتمعي لا تستخدم الدبابة وحدها.

بل تُطلق:

– شائعات مصممة مثل قنابل زمنية، تنفجر في أعماق الثقة الشعبية.

– عمليات إرهابية صغيرة لكنها عالية الأثر الرمزي.

– حملات نفسية عبر الإعلام تزرع بذور القنوط في كل بيت.

بكلمات أخرى:
– العدو لا يريد قتل المواطن… بل يريد قتل إيمانه بأن وطنه يستحق أن يُحيا لأجله.

كيف يُواجه السودان هذه الحرب؟

لا ينتصر في هذه المعركة من يُكثر من الخطب…
بل من يُتقن إدارة تفاصيل الحياة اليومية وكأنها معركة وجود.

لهذا، إذا أراد الجهاز التنفيذي أن يحسم الجولة لصالح السودان، فعليه أن يبتكر لا أن يُقلّد، أن يبادر لا أن ينتظر.

الحلول غير التقليدية المطلوبة:

١. صناعة حائط الطمأنينة:

– إنشاء شبكات استجابة مجتمعية بالأحياء لاحتواء الشائعات ومساعدة المتضررين لحظيًا.

– جعل المواطن يرى أن دولته موجودة، قريبة، حاضرة في كل لحظة خوف.

٢. حرب نفسية مضادة ذكية:

– بث رسائل قصيرة، حقيقية، مُلهمة عبر الإذاعات المحلية، المساجد، منصات التواصل.

– قلب الشائعات على صانعيها، وجعل كل محاولة تخويف تنقلب رمزًا للصمود.

٣ . إحياء الرموز اليومية للصمود:

– حماية محطات الكهرباء و المياه ليس لأجل الخدمة فقط، بل لأنها رمز استمرارية الحياة.

– إبراز قصص أمهات أنقذن أسرهن رغم الموت، شباب رمموا آبارًا تحت القصف… و جعلها حكايات تتردد على ألسنة الجميع.

٤. زرع الأمل العملي
– إطلاق مشاريع تشغيل سريعة داخل معسكرات النزوح، حتى و لو بأبسط الوسائل، لتثبيت أن السودان يصنع الحياة تحت القصف.

٥ . احتضان الجراح بدل دفنها

– إدارة حوارات مجتمعية مباشرة مع النازحين، تقديم دعم نفسي عبر فرق متنقلة، لإفراغ الخوف قبل أن يتحول إلى حقد خامد.

أصل القضية : المعركة على الروح
ما يُراد للسودان أن يخسره، ليس المعارك، بل معناه.
أن ينسى أنه وطن الجدود و الآمال، أن ينسى أن الشقاء الذي يعانيه الآن هو ثمنٌ للحرية لا علامة على الفشل.
لكن السودان -عبر شعبه و جيشه، عبر قراه و مدنه المكلومة -يكتب كل يوم درسه العظيم:
“نُهزم فقط إذا سمحنا لهم أن يسكنوا داخلنا.”
في زمن تصطك فيه الأسنان من الخوف، نحن بحاجة لأن نكون جسورًا لبعضنا البعض و موردًا للثقة حين تنضب الأنهار.

“سودانُنا لا تحكمه الجراح، بل تحكمه الأرواح التي تعرف كيف تنهض من الركام.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى