مقالات الرأي
أخر الأخبار

إعادة إعمار القطاع الصناعي خطوة نحو نهضة اقتصادية شاملة .. بقلم/ أحمد حسن الفادني …باحث بمركز الخبراء العرب

يمر السودان بمرحلة دقيقة من تاريخه الاقتصادي، إذ خلفت الحرب الدائرة إلى دمار واسع في البنية التحتية الصناعية، وخروج عدد كبير من المصانع عن الخدمة وانكماش النشاط الإنتاجي بشكل غير مسبوق. وفي ظل هذا الواقع المؤلم، لا بد من التفكير في وضع إستراتيجية اقتصادية علمية وعملية تستهدف تحفيز المنتجين والمستثمرين الصناعيين لإعادة إعمار المصانع واستعادة دورة الإنتاج بما يعزز الاستقرار الاقتصادي ويعيد للسودان دوره الطبيعي كمركز إنتاجي إقليمي، ويمكن أن يعبر عنها في النقاط التالية:

أولًا: واقع القطاع الصناعي السوداني بعد الحرب:
يمكن أن نلخصه في التحليل المبسط التالي :
1. التدمير الهيكلي: تعرضت مئات المصانع في الخرطوم، الجزيرة، والنيل الأبيض إلى دمار جزئي أو كلي بسبب الحرب، وفقدت أصول وآليات إنتاجية هامة.
2. هروب رؤوس الأموال: هاجر عدد كبير من المستثمرين وأصحاب المصانع نتيجة انعدام الأمن وفقدان الثقة في البيئة الاستثمارية.
3. غياب التمويل والإمداد: توقفت سلاسل التوريد، وانهارت نظم الإمداد بالطاقة والمواد الخام، ما فاقم من الركود الصناعي.
4. تدهور جودة المنتجات: ضعف الرقابة، وغياب المواصفات والمقاييس أدّى إلى تدنّي مستوى الجودة في ما تبقى من إنتاج محلي.

ثانيًا: لماذا يجب تحفيز المنتجين؟
و الإجابة قد تشكل رأي شخصي ولكن أيضا هي أساس في إعادة الإنتاج نجملها في الآتي:
1. تعزيز الأمن الاقتصادي: الإنتاج الصناعي هو ركيزة الاستقرار الاقتصادي والسياسي ويقلل من الاعتماد على الواردات.
2. توفير فرص العمل:إعادة تشغيل المصانع يعني توظيف آلاف العمال والفنيين، وتقليل معدلات البطالة التي تجاوزت 40%.
3. رفع الإيرادات العامة: تنشيط القطاع الصناعي سيزيد من الدخل القومي، ويرفد الخزينة العامة بإيرادات ضريبية مستقبلية.
4. دعم قيمة العملة الوطنية: زيادة الإنتاج المحلي يقلل الطلب على الدولار، ما يدعم استقرار الجنيه السوداني.

ثالثا: الحوافز المطلوبة لإعادة تشغيل المصانع:

1. الإعفاءات الضريبية المؤقتة: إعفاء لمدة تبدأ من 3 إلى 5 سنوات على ضريبة الدخل وضريبة الأرباح و تعليق ضريبة القيمة المضافة على مدخلات الإنتاج.
2. تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية: تخفيض جمركي على الآلات والمعدات الصناعية بنسبة تصل إلى 60%, مع إعفاء كامل لمواد التعبئة والتغليف والمواد الخام المستوردة.
3. الدعم المباشر للطاقة: كتقديم دعم جزئي للكهرباء والوقود الصناعي، خاصة في المناطق الصناعية الحيوية وتشجيع التوجه للطاقة الشمسية عبر تمويل حكومي أو قروض ميسرة طويلة الآجل.
4. توفير التمويل الميسر: من خلال إنشاء محفظة تمويل صناعي بشراكة بين البنك المركزي والبنوك التجارية وتقديم قروض بصيغ الاميرة تضمن حقوق جميع الأطراف ومدعومة لتمويل إعادة تأهيل المصانع.
5. تحفيز صناعات محددة ذات ميزة نسبية: وذلك بالتركيز على الصناعات التحويلية القائمة على الإنتاج الزراعي (كالزيوت، السكر، النسيج، المنتجات الجلدية)،ودعم الصناعات الدوائية والغذائية لتغطية السوق المحلي وتقليل الاستيراد.

رابعًا: إصلاح بيئة التصنيع عبر الرقابة والجودة والمواصفات:
1. تفعيل هيئات ومؤسسات المواصفات والمقاييس: لا بد من تقوية دور هيئة المواصفات والمقاييس السودانية، وفرض رقابة صارمة على جودة المنتجات لحماية المستهلك وتعزيز ثقة السوق.
2. رقمنة نظام التراخيص: تيسير إجراءات تسجيل المصانع و إدخال التكنولوجيا من خلال نظام رقمي حديث وشفاف.
3. تعزيز البنية التحتية الصناعية: بإعادة تأهيل المناطق الصناعية في الخرطوم، مدني، عطبرة، وبورتسودان، وتوفير طرق ومياه وكهرباء مستدامة أو إنشاء مناطق و مدن صناعية مختلطة ذات سلسلة إمداد موحدة.

خامسًا: دروس من الماضي وتجنب التكرار:
1. الاعتماد المفرط على الدولة دون تحفيز القطاع الخاص فاقم من ضعف المرونة الصناعية.
2. عدم وجود رؤية صناعية وطنية واضحة أدى إلى عشوائية في توطين الصناعة.
3. غياب الحماية التنافسية جعل المنتجات المستوردة تسيطر على السوق المحلي وعدم حماية المنتجات المحلية بسياسات و تشريعات تصدر من الدولة.

ومن خلال ما سبق لذا، لابد أن تبنى المرحلة القادمة على:
– رؤية وطنية للصناعة مرتبطة بخطط الاستقرار الاقتصادي.
– مشاركة فعالة بين الحكومة والقطاع الخاص.
– إدماج الصناعات في سلسلة القيمة الإقليمية والعالمية.

سادسًا: مقترحات عملية قابلة للتنفيذ في ظل الوضع البنيوي الصناعي المعقد وتتمثل تلك المقترحات في الآتي:
1. الطاقة: تقديم دعم مباشر للمصانع التي تستخدم الطاقة الشمسية بنسبة 30% من التكلفة.
2. التمويل: الإسراع في إطلاق الصندوق السيادي وطني لإعمار المصانع بتمويل مختلط (حكومي – خاص – منح دولية).
3. الضرائب: إعفاء ضريبي تدريجي للمصانع بحسب عدد العمالة المحلية التي توظفها.
4. التسويق: تخصيص منصات تصديرية للمنتجات الصناعية الجديدة عبر اتفاقيات مع دول الجوار من خلال المنصات و البوابات الاستثمارية الإلكترونية.
5. الجودة :فرض نظام تصنيف جودة للمنتجات المحلية مع حوافز تشجيعية للالتزام بالمواصفات القياسية.
وفي ختامه يمكن أن نلخص بالقول بإن إعادة بناء القطاع الصناعي السوداني هو مفتاح الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال سياسات واقعية وحوافز قوية تشجع المنتجين وتعيد الثقة للمستثمرين. المطلوب اليوم هو تحرك وطني مسؤول، تشاركي، وشجاع، من خلال الصندوق السيادي لضمان توفر التمويل وضماناته لوضع الصناعة في قلب مشروع النهضة السودانية القادمة.

(النهضة مسؤولية الجميع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى