الحرب الإعلامية الحديثة .. روشتة مقاومة اسلحة “التجهيل والشائعات”.. !! (2ــــ3)

تحقيق: (مركز الخبراء العرب)
يظل “مسرح الشائعات ” بالسودان حافل بكل ماهو مثير وباعث بشعور لاينال الرضاء او يبعث بطماينة إلى النفس طالما ان المجتمع نفسه بكل فرعيات قضاياه أصبح مجتمع ” منتج للازمات” وإثارة الجدل والمواقف المتباينة فاثمر مناخ ” الشائعة ” ووجد الترويج والانتشار السالب بأنواع متعددة من الوسائل تبدأ بالهمس وتتطور الى المسموع حتى تجد الاذن الصاغية فتتربع رويدا رويدا على عرش “القناعات” .
ولخطورة الشائعات مايمكن ان تسببه من انهيار سلوكي وقيمي للمجتمعات استمر ” مركز الخبراء العرب للخدمات الصحفية ودراسات الرأي العام ” في مناقشة هذه القضية باستفاضة مع نخبة من رموز العمل الاعلامي والباحثين والاستراتيجيين في محاولة جادة لقرع جرس الانذار لمحاصرة الظاهرة والتنبيه لمخاطر تداولها في ظل مجتمع يفترض في مكوناته ان ترفع “سقوفات الوعي” حفاظا على النسيج الاجتماعي وتداركا لاخطار كارثية تحيق بقضايا الوطن من اتجاهات متعددة.
“عناصر التأثير”
تاثير الوضع النفسي للمجتمعات غير المستقرة يعزز من مناخ بروز الشائعة كمتغير اساسي في حركة الحياة بصفة عامة وهو اتجاه اقترب منه دكتور محمد حسن فضل الله المتخصص في قياس ودراسات الرأي العام في مداخلته لـ”مركز الخبراء العرب” فهو أن الشائعات تمثل واحدة من أخطر أدوات الحرب الإعلامية الحديثة، إذ إنها تعتمد على عناصر التأثير النفسي السريع والانتشار الفيروسي في بيئات هشّة معرفيًا، مما يجعلها قادرة على زعزعة الاستقرار الاجتماعي وخلخلة الثقة في المؤسسات الرسمية.ويضيف فضل الله أن الشائعات تُبنى على عناصر: الإثارة، والغرابة، والغموض، والتكرار، وتوقيت النشر المرتبط بلحظات القلق الجماعي أو الأزمات الفجائية، وهي بذلك تحاكي نمط “العدوى المعنوية” داخل المجتمع، فتنتقل الشائعة من فرد إلى آخر بسرعة تضاهي انتشار الفيروسات البيولوجية، مستفيدة من البنية التحتية الرقمية الواسعة ومن ضعف المناعة المعلوماتية لدى المتلقين.
كما أشار في مداخلته إلى أن المجتمعات التي لا تمتلك آليات علمية لمكافحة الشائعات – كالمراكز المتخصصة في تدقيق الأخبار، والتعليم الإعلامي النقدي، والنوافذ الرسمية المتفاعلة – تصبح أكثر عرضة للانقسام المجتمعي والتشظي المعنوي، وتتحول معها الشائعة إلى أداة لـ”صناعة الحقيقة البديلة”، بل وتصبح جزءًا من أدوات تشكيل القرار الشعبي على أسس خاطئة.
ويرى فضل الله أن مقاومة الشائعات تبدأ من الاعتراف بخطورتها، ثم مواجهتها بالشفافية، وتكثيف التواصل الرسمي الفوري، وتوسيع دائرة الإعلام الاستباقي، وتعزيز دور الصحافة الاستقصائية، وتمكين الجمهور من أدوات التفكير النقدي والتقييم الموضوعي للمعلومات، مع إدماج مفاهيم “محو الأمية الإعلامية” ضمن المناهج التربوية، لبناء أجيال أكثر تحصينًا ووعيًا.
“التخطيط الاستراتيجي “
يبدو ان حسابات المصالح الشخصية تعد أحد اهم اسباب منصة انطلاقة الشائعات وهو ما اكده الكتور عصام بطران المتخصص في الشئون الاستراتييجة حيث يقول في تعريفه للشائعة انها أهم ادوات “المنفعة” يخطط للحصول عليها “الميكافيلية” ويوجد لها من الاسانيد والتحريفات غير المشروعة كاسلحة مباحة في المعركة للحصول على الغاية والمبتغى ..- احد وسائل التدمير الشخصي هو بناء الاستراتيجية “السالبة” التي تسعى الى جلب “الضرر” للاخرين من اجل الحصول على “منفعة” ذاتية وضيقة عبر “اغتيال الشخصيات” .. يرى البعض ان نشر مساوئ الاخرين خلال معركة المنافسة يمكن ان يصنف في خانة “النقد” او “المناصحة” او “كشف الفساد” .. كانما يفسر الجهد بان ذلك كلمة حق ويمارس من خلال ذلك الفهم الغلو والتطرف في “الحق” للحصول على “باطل” منهي عنه عرفا وشرعا .
ويمضي بطران في مداخلته لــ”مركز الخبراء العرب”مؤكدا ان اصحاب ذلك المنحى الذي يؤيد “الميكافيلية” للحصول على “الباطل” بوسائل “مشروعة” يستخدمون اساليب لاتخرج عن صياغ التخطيط الاستراتيجي “السالب” مثل انتاج “الشائعات” المبنية على الاقاويل والاكاذيب و”التلفيقات” و”الفبركات” التي لايوجد مايثبتها من الادلة والسند .. فاصبح لها ادواتها واساليبها مع التقدم العلمي والتكنولوجي وظهور التقنيات الحديثة وعلوم البرمجيات والوسائط الالكترونية وعوالم تطبيقات التواصل الاجتماعي حتى اصبحت “الشائعة” تصدق بسهولة ولكن ايضا تتكشف خيوط زيفها وظهور الحقيقة بصورة اسرع من سريانها .. الذين يبررون استخدام “الوسائل” الغير مشروعة والتي يستخدمونها لاجل النقد اوكشف الفساد او تقديم النصح عادة مايميلون الى وسيلة “اغتيال الشخصية” لتحقيق “غاية” الكنس من الوجود المعنوي بين الناس ولكنهم لايدرون الفرق الكبير ما بين “النقد” و”الاغتيال” خاصة تلك “الاشاعات” المبنية على الهدم المعنوي والتي يكون ضحيتها الاشخاص الذين يعملون بالعمل العام لادراكهم ان المسؤولية العامة تجعلهم تحت المجهر والمراقبة والنقد البناء الذي يسلط الضوء على التجاوزات والاخطاء التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن.
“وكيل عريف”
ويكشف بطران عن متغير خطير جدا وسط السودانيين في قوله ان المجتمع اصبح تربة خصبة لسريان الشائعات والترويج لها حتى اصبح لديها سوق عمل ومهنة مدفوعة الاجر يمتهنها متخصصين في تخصصات مختلفة حيث تبدأ خلية الشائعات الموجهة لاغتيال الشخصيات العامة بشخص يطلق عليه لقب “وكيل العريف” وهو الشخص المكلف بجمع المعلومات الشخصية والسلوكية والاسرية عن الشخص المراد اغتياله معنويا وتشمل المعلومات التي يجب ان يوفرها التركيز على الثغرات في البناء الاسري الممتد والسلوك اثناء الدراسة والهفوات والهنات بمحيطه السكني والعملي والبحث في اصوله الاثنية والعرقية والاخطاء التى صارت من قبيل “الوصمة” في مجتمعه الكبير وعلاقاته النسائية والعاطفية وكل مايمكن ان يستغل ضده في عملية الاغتيال المعنوي لهدم بنيانه الشخصي .. اما الشخص الثاني في تراتيبية خلية الشائعة فيسمى “المانجلك” وهو متخصص مجال “النسج” الدرامي و”الفتل” و”الفبركة” وهو المكلف بتحديد نقطة العقدة في “الحبكة الدرامية” للشائعة وهو الذي يؤلف القصة ويضعها في الصياغ المنطقي من حيث صدقية القبول للمتلقي كما يقوم بتجميع المستندات “الصحيحة” و “المضروبة” عبر تقنيات “الفوتو شوب” التي تدعم وتؤكد مصداقية “الرواية” .. اما الشخص الثالث في خلية الشائعة “المميتة” للشخصيات يسمى “سواق الكارو” وهو الشخص المعني بالتنفيذ والذي يحدد ادوات ووسائل النشر والترويج وطرق فعالية الانتشار وتحديد المجتمع المعني بتصديق الشائعة .. ثم يؤول المشهد الى مجموعة محدودة من الاشخاص وهم ذوي صلة بالشخص الموجه ضده الشائعة ويطلق عليهم في الخلية اسم “الشمَّارة” وهم من يعدلون الانحرافات المصاحبة لعملية الانتشار واضافة مزيد من “المتبلات” و”البهارات” والقصص “الوهمية” الاضافية التي تجعل من الشائعة حقيقة معاشة وامر واقع غير قابل للنفي لدرجة ان الشائعة اذا اكملت دورتها وعادت مرة اخرى ل”المانجلك” يصدقها هو نفسه وكانما لم يكن هو من حدد روايتها الاولى..
“استخدام خاطئ”
غير ان هناك من يرى ان ملامح استخدام الشائعة في الاتجاه السالب تظهر في التعامل مع ملفات الفساد واصحاب هذا الراي يعتقدون ان كشف الفساد والمفسدين ل يشترط ان ايتم عبر اطلاق الشائعات ولا عن طريق “اغتيال الشخصيات” ولا النشر الالكتروني الضار لان ذلك الفعل لايسبب الحاق الضرر ب “المغرر” به فحسب ولكن يتعداه الى سمعة الاسر والعائلات وتهدد المجتع وتزيد من تفككه بل تطال الوطن حسب حجم الشخصية المراد اغتيالها .
والاخطر من ذلك ان الشائعة قد اصبحت مؤخرا حسب راي العدييد من المشاركات هي “الخصم والحكم” وهي ساحة للقضاء الذي ليس فيه درجات للتقاضي من اجل اثبات البراءة مما الصقته الشائعة من احكام جزافية لاتصل الى المصداقية في حق المتهم وقد وتنتج “اللعبة القذرة” التي تمارس لاغتيال الشخصيات العامة عبر الشائعات لاسباب كثيرة منها الغيرة والحسد والتنافس السياسي الغير شريف والمعارضة السالبة والهدامة ويمارس تلك “اللعبة القذرة” اناس مصابون بعرض نفسي ذهاني ويعانون من التوترات النفسية والعصبية وهم في العادة اعداء للنجاح ويعانون من الطموح الانحرافي الزائد والمغالاة والفجور في العداوة وحب الانتقام والترصد والتربية الاسرية التي تعاني من الخلافات القبلية والجهوية والمناطقية الى غير ذلك من مسببات “الغيرة” والرغبة في التخلص والازاحة عن الطريق لاشخاص يمثلون لديهم “بعبع” امام رغباتهم الفاشلة لاجل الوصول الى مقامات نجاحاتهم اي “المغتالين” ولكن فات عليهم قول الحق عز وجل في محكم تنزيله “وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَ
“الغرفة إلكترونية”
صناعة الشائعات ايضا يعد اتجاه برز في تنامي وانتشار واسع عبر مراكز المعلومات التي تدار بعلمية واحترافية عالية لتحقيق اغراض كثيرة وفي هذا المنحى يقول المهندس عبد المنعم عوض المتخصص فى الاتصالات ونظم المعلومات أن الشائعات أصبحت تُدار بأدوات حديثة وخبراء مختصين في علم توجيه الرأي العام، وأصبح التجهيل المتعمد هو أحد وسائل إشغال المجتمعات بقضايا معينة وفق خطط علمية مدروسة لتحقيق غايات بعيدة المدى تصب في الأهداف الاستراتيجية المراد تحقيقها، فأصبحت صناعة الشائعات تقوم عليها مراكز متخصصة بتسخير غرف إلكترونية إعلامية تستهدف وتستغل شخصيات معروفة (بعلم أو بجهل) لترسيخ الشائعة كحقيقة وواقع، من خلال إستخدام وسائط التواصل الاجتماعية وإنتشار المعلومات فيها، بل أصبحت هناك شركات عملاقة متخصصة في توجيه الرأي العام من خلال تجميع البيانات الشخصية لمستخدمي هذه الوسائط بخلاف شركات العلاقات العامة المتخصصة في تجميل صورة الدول والكيانات وتلميع الشخصيات السياسية وتقديمها للمجتمع في صورة مغايرة لما عليه الواقع، بحيث يتم الاستفادة من هذه البيانات الضخمة وتحليلها بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة والخروج بنتائج ورسم علاقات بينها فيما يعرف بال(correlations) بين المستخدمين ومحاولة التأثير عليهم بتحليل إهتماماتهم وتوجهاتهم، وغير بعيد عن الأذهان حادثة شركة (كامبريدج أنلاتيكا) البريطانية/الأمريكية التي إستخدمت حسابات المواطنين الامريكان في شبكة (فيس بوك) للتأثير عليهم وتوجيه أصواتهم بالتصويت لناخب معين في الانتخابات الأمريكية، وقد نجحت في ذلك.