الزراعة بغرض الصادر: كنز السودان المهدر وفرصة النهضة القومية .. بقلم/ د. أحمد الطيب السماني – مدرب وأستاذ التنمية والإدارة

في وقت يتزايد فيه الطلب العالمي على الغذاء و تتنامى حاجات الدول الخليجية لاستيراد المنتجات الزراعية و الحيوانية، يظل السودان – رغم ثرواته الطبيعية الهائلة و موقعه الجغرافي الإستراتيجي – غائبًا عن قائمة الموردين الرئيسيين. مفارقة تثير الحسرة و العجب، و تجبرنا على طرح السؤال الكبير: لماذا يهدر السودان فرصته الذهبية ليكون سلة غذاء الإقليم و العالم؟
نحن نتحدث عن دولة تمتلك واحدة من أندر الميزات النسبية في العالم:
أراضٍ شاسعة صالحة للزراعة، مياه نهرية و جوفية وفيرة، تنوع مناخي فريد، موقع جغرافي يجعلها الأقرب للأسواق الخليجية و العربية، و أيادي عاملة شابة قابلة للتدريب، ناهيك عن تربة خصبة لا تحتاج إلا إلى الرؤية، و التخطيط و الإرادة.
فلماذا إذن يأتي الليمون إلى الخليج من فيتنام؟ و لماذا يُستورد الموز من الإكوادور و شيلي؟ و لماذا تُملأ الأسواق الخليجية بالبصل التركي و اللحوم الأسترالية، بينما السودان هو الأجود، الأرخص و الأقرب؟
إن الجواب يكمن في غياب الرؤية الاستراتيجية القومية، وفي تغليب الانشغال السياسي والحروب على مشروع النهضة الزراعية. بدلاً من أن تُوجّه جهود الدولة نحو استثمار هذه الميزة النسبية، تجد السودان يغرق في صراعات داخلية عطلت التنمية، وهجّرت الكفاءات، وجعلت الاستثمار الزراعي مغامرة لا مشروعًا وطنياً جاذباً.
الزراعة بغرض الصادر ليست مجرد مشروع اقتصادي، بل رؤية استراتيجية متكاملة، تبدأ بتحديد المحاصيل الأكثر طلبًا في الأسواق المجاورة، و تمر بتطوير سلاسل القيمة المضافة، و تحسين الجودة، و ضمان الاستدامة و تنتهي ببناء علامة تجارية “سودانية” قوية في الأسواق الإقليمية.
السودان لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى إرادة سياسية موحدة، و عقل تنموي يترفع عن الخلافات و يضع نهضة البلاد في مقدمة الأولويات.
نحتاج لحكومة تضع الزراعة في قلب السياسات الاقتصادية، و لشعب يؤمن بأن الأرض هي المفتاح و المنتَج الزراعي هو الجسر الذي سنعبر به نحو التنمية و الرفاه و الاستقرار.
إن دول الخليج أقرب إلى السودان من أي مورد آخر، و لكن لا أحد سيشتري منّا لأننا فقط الأقرب جغرافيًا، بل لأننا الأجود و الأكثر كفاءة. و هذا ما يجب أن نثبته.
إن اللحظة الراهنة تتيح للسودان فرصة نادرة:
أن يخرج من دائرة الأزمات إلى فضاء الحلول، وأن يستبدل البنادق بالمحاريث، والشعارات بالمنتجات، والاستيراد بالتصدير.
الزراعة بغرض الصادر ليست حلماً، بل هي مشروع نهضة ينتظر من يوقظه.
فهل نستيقظ قبل فوات الأوان، و نرسم مستقبل الأجيال؟