الصمغ العربي .. ميزة تنافسية للاقتصاد السوداني بقلم/ أحمد حسن الفادني… باحث بمركز الخبراء العرب

يعد الصمغ العربي من الهبات الربانية التي تميز بها السودان، ليس فقط لما له من استخدامات طبية و صناعية و غذائية واسعة، بل لما يحمله من قيمة اقتصادية إستراتيجية قادرة على أن تلعب دورا محوريًا في نهضة الاقتصاد السوداني، إذا ما تم استغلاله بطريقة علمية و استثمارية ممنهجة.
الصمغ العربي في السودان – ثروة طبيعية فريدة: يمتلك السودان أكثر من 80% من الإنتاج العالمي للصمغ العربي، ما يجعله في موقع القيادة العالمية لهذه السلعة، اكثر الانتاج السوداني من الأنواع التالية:
1. الهشاب (Acacia senegal): يستخدم في الصناعات الغذائية و الدوائية.
2. الطلحة: (Acacia seyal): يستخدم بشكل أوسع في الصناعات التقنية و المشروبات الغازية.
ويتركز إنتاج الصمغ العربي في مناطق واسعة تعرف بحزام الصمغ العربي، و تمتد من النيل الأزرق، و الجزيرة، و سنار، و جنوب كردفان، و شرق دارفور، و غرب كردفان و حتى أجزاء من شمال دارفور، و توفر هذه المناطق بيئة بيولوجية فريدة تسهم في نمو أشجار الهشاب والطلح بكفاءة طبيعية، دون تدخل كيميائي، مما يزيد من جودته عالميًا.
الكميات المنتجة و دورها في الميزان التجاري:
رغم تصدر السودان للإنتاج العالمي، إلا أن الكميات المصدرة لا تتجاوز 50-60 ألف طن سنويا، في حين أن قدرته الإنتاجية الطبيعية تفوق 150 ألف طن في الظروف المثلى. وهذه الفجوة تمثل فرصة مهدورة نتيجة التحديات المرتبطة بسوء التنظيم، و غياب التصنيع المحلي، و سيطرة الوسطاء الأجانب و غياب الدولة عن الملف في العقود الأخيرة و التهريب.
و مع ذلك، يظل الصمغ العربي من أكبر 10صادرات سودانية غير نفطية، حيث يحقق قرابة 150–200 مليون دولار سنويًا، لكنه قادر على تجاوز حاجز المليار دولار سنويًا في حالة إضافة قيمة مضافة ،كمصدر صافي للنقد الأجنبي، يرفد الخزينة العامة و يعزز استقرار ميزان المدفوعات بالدولة.
التحديات الاستراتيجية التي تواجه قطاع الصمغ العربي:
رغم الأهمية، فإن الصمغ العربي يواجه سلسلة تحديات مزمنة، يمكن تلخيصها في الآتي:
1. غياب التصنيع المحلي: حيث يصدر خامًا، مما يحرم السودان من عوائد القيمة المضافة.
2. ضعف البنية التحتية (طرق ، مراكز تجميع وفرز، مخازن).
3. تفكك العلاقة بين المنتج والمصدر وسيطرة السماسرة و التهريب.
4. عدم تفعيل دور شركة الصمغ العربي سابقا كمنظم للسوق.
5. غياب التشريعات المنظمة للشراء و التصدير و التخزين.
6. ضعف التمويل للمنتجين الصغار في المناطق الطرفية.
7. تذبذب الأسعار العالمية و غياب آليات التسعير العادل.
القيمة المضافة ودور التصنيع المحلي:
في ظل الطلب العالمي المتزايد على مكونات الصمغ في الصناعات:
– الغذائية (كمثبت غذائي).
– الدوائية (في أدوية أمراض الكلى، الجهاز الهضمي، المناعة).
– الصناعية (في الطباعة، التجميل، المشروبات الغازية).
تظهر الحاجة الملحة إلى تحويل الخام إلى منتجات مصنعة محليا، مما يضاعف الأرباح والعوائد ويعزز القيمة الحقيقية للمنتج السوداني.
مثال: (الكيلو الخام يباع عالميا بـ 3-5 دولارات، في حين أن المنتجات المصنعة تباع بما يزيد على 30 دولارًا للكيلو، و هذا الفرق يمثل فجوة ضائعة في دخل الدولة و المزارع)
محفظة استثمارية للصمغ العربي (مقترح عملي):
إنشاء محفظة استثمارية وطنية للصمغ العربي يمثل الخطوة الأولى لإعادة تنظيم القطاع، وفق الرؤية الآتية:
1. تكوين كيان مالي سيادي أو شراكة قطاع خاص–عام بإشراف الحكومة.
2. استثمار في سلاسل القيمة ( طق، جمع، تصنيع، تسويق، تصدير).
3. دعم المنتجين ببرامج التمويل الصغير و المساعدة التقنية.
4. تشييد مصانع متخصصة في التصنيع الدوائي و الغذائي.
5. الاستثمار في البحوث العلمية بالتعاون مع الجامعات والمراكز العالمية.
6. توقيع عقود تصديرية مباشرة مع الشركات العالمية و تجاوز الوسطاء.
إعادة إحياء شركة الصمغ العربي (رؤية حديثة):
تحتاج شركة الصمغ العربي إلى إعادة هيكلة إدارية شاملة، وفق النموذج التالي:
– مجلس إدارة متخصص من أهل الخبرة الاقتصادية والتجارية والبيئية.
– تبني نظام إدارة حديثة شفاف يرتكز على مؤشرات أداء.
– رعاية العقود بين المنتجين و المصنعين و المصدرين.
– تطبيق نظام بورصة حقيقية لتسعير الصمغ بشفافية.
– فتح أسواق جديدة (آسيا، أمريكا الجنوبية، أوروبا الشرقية) بعقود طويلة الراجل تضمن التوزيع الأمثل للأسواق و عائدات مجزية للدولة.
– التنسيق مع وزارة التجارة والتشريعات لوقف التهريب و المضاربات.
السياسات و التشريعات المطلوبة:
1. إصدار قانون قومي لحماية الصمغ العربي كمورد استراتيجي.
2. منع تصدير الخام دون قيمة مضافة تدريجية خلال خمس سنوات.
3. إعفاء قطاع الصمغ من الضرائب المباشرة لمدة لا تتجاوز العشرة سنوات.
4. ربط المحفظة بسياسات البنك المركزي في التمويل الزراعي و الصادرات.
5. إنشاء مجلس قومي لبحوث و صناعة الصمغ العربي بالتعاون مع الجامعات و المراكز البحثية المحلية و العالمية.
من مورد تقليدي إلى رافعة اقتصادية وطنية:
يمثل الصمغ العربي ميزة نسبية نادرة للسودان، وهو مورد يمكن تحويله إلى ميزة تنافسية عالمية إن أحسن تنظيمه وتصنيعه وتسويقه. وبدلا من أن يكون سلعة ينهكها التهريب و الوساطة، قمت الممكن أن يتحول إلى رافعة اقتصادية تدعم الخزينة العامة، و تعزز الصادرات، و ترتقي بمستوى معيشة ملايين المنتجين في الريف السوداني، فإن الاستثمار الذكي في الصمغ العربي اليوم هو استثمار في استقرار السودان الاقتصادي غدًا.