الصحيفة الإلكترونية
أخر الأخبار

العضلات الإماراتية وتكتيك الإبرة المصرية … بقلم اللواء (م) مازن محمد اسماعيل

١ سبتمبر ٢٠٢٤م
🔔 عام (١٩٩١م) أعلن إقليم (صومالي لاند) المطل على خليج عدن انفصاله عن الصومال، وذلك عقب سقوط نظام سياد بري وهو ما رفضته الصومال، ولم تعترف بصومالي لاند أي دولة في العالم حتى الآن، وفي العام (١٩٩٨م) أعلن إقليم (بونت لاند) المجاور لإقليم صومالي لاند من الجانب الشرقي كذلك حكماً ذاتياً مستقلاً، غير أن إقليم بونت لاند أعلن أنه لايريد الانفصال عن الصومال وأنه سيعود إليها بعد أن يحل السلام.

🔔 عام (٢٠١٦م) وقعت الإمارات وإثيوبيا مع سلطات إقليم صومالي لاند اتفاقاً ثلاثياً يقضي بمنح شركة موانئ دبي (٥١%)، و إثيوبيا (١٩%) و سلطات صومالي لاند (٣٠%) من عائدات تطوير و تشغيل ميناء (بربرة) لمدة ثلاثين عاماً، و إنشاء منطقة حرة، و تمويل إنشاء طريق دولي سريع يربط المدينة بإثيوبيا عَبْر مدينة (واجالي) غرباً، وفي العام (٢٠١٧م) قامت الإمارات بإنشاء قاعدة عسكرية جوية بمطار مدينة (بربرة) و تدريب قوات أمن من صومالي لاند، وفي الأول من مارس (٢٠١٨م) أعلنت حكومة الصومال إلغاءها لهذه الاتفاقات غير الشرعية و ذلك بعد زيارة رسمية قام بها الرئيس الصومالي حسن علي خيري لأبوظبي، وجاء ذلك عقب قيام جيبوتي بطرد الإمارات من ميناء (دوراليه) ولكن رغم ذلك فلا تزال الإمارات تدير الميناء و لها وجود عسكري في (بربرة).

🔔 في عام (٢٠١٧) وقعت الامارات مع سلطات (بونت لاند) اتفاقاً يقضي بأن تقوم شركة (P&O Ports) الإماراتية بتطوير و تشغيل ميناء (بوصاصو) لمدة (٣٠) عام، وفي (١٤ نوفمبر ٢٠٢٢م) وصلت قوات إماراتية لمدينة (بوصاصو) في إقليم (بونتلاند) الصومالي وأنشأت قاعدة عسكرية هناك بالإضافة إلى قاعدة عسكرية أخرى للإمارات في مدينة (علولا).

🔔 منذ العام (١٩٩٣) و باستقلال إريتريا أصبحت إثيوبيا هي أكبر دولة حبيسة في العالم الذي يضم (٤٤) دولة حبيسة، وهذا الأمر حدَّ كثيراً من طموحات إثيوبيا الاقتصادية و الجيوسياسية، ومع تزايد التحديات والمهددات الداخلية و الخارجية لإثيوبيا و رغبتها في لعب دور شرطي المنطقة لصالح الكيان الصهيونى و الإمارات والغرب تزايدت حوجتها لإطلالة بحرية بأي ثمن.

🔔 في أول يناير (٢٠٢٤) وقعت أرض الصومال و إثيوبيا اتفاقاً يمنح إثيوبيا امتداداً ساحلياً مجاوراً لميناء (بربرة) بطول (٢٠) كلم و لمدة (٥٠) عام بغرض إنشاء ميناء تجاري إثيوبي و قاعدة عسكرية بحرية إثيوبية مقابل أن تعترف إثيوبيا يوماً ما باستقلال أرض الصومال التي لا تعترف بها أي دولة في العالم، وكذلك منح أرض الصومال أسهماً في شركة الخطوط الجوية الأثيوبية، وقد أعلنت الإمارات مباركتها و دعمها لهذا الاتفاق بينما رفضت الصومال هذا الاتفاق و ندّدت به.

🔔 تركيا لديها اتفاقية استراتيجية مع الصومال، و أنشأت بموجبها قاعدة عسكرية هناك، و لكن على إثر غموض الموقف التركي من التدخل الإثيوبي في الصومال التي يربطها تعاون عسكري مع تركيا و بسبب العلاقات التركية الإثيوبية الوثيقة قام الرئيس الصومالي و حكومته بزيارة للقاهرة، و في (١٣ اغسطس ٢٠٢٤) وقع مع مصر اتفاقاً للتعاون العسكري المشترك، وبموجب هذا الاتفاق أنشأت مصر جسراً جوياً مع الصومال ونقلت ما يقدر بعشرة آلاف جندي إلى الصومال بكامل عتادهم الثقيل بغية الانتشار على امتداد الحدود الصومالية مع إثيوبيا.

🔔 إثيوبيا لها قوة عسكرية من حوالي (٤٥٠٠) ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي (AMISOM/ATMIS) في الصومال، بالإضافة إلى قوة عسكرية أخرى تقدر بحوالي (٧٠٠٠) جندي تعمل بشكل مستقل بدعوى مكافحة الإرهاب و حفظ الحدود الإثيوبية، و بعد توقيع اتفاق التعاون العسكري بين الصومال و مصر قامت حكومة الصومال بإخطار الاتحاد الأفريقي و إثيوبيا بعدم رغبتها في وجود أي جندي إثيوبي على أرضها، و أمهلت الاتحاد الأفريقي و إثيوبيا حتى نهاية العام الجاري لمغادرة آخر جندي إثيوبي، وقد علق الجيش الإثيوبي بأنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات حصار اثيوبيا، وفي أول رد فعل عملي قامت إثيوبيا بالأمس بتعيين سفير لها في صومالي لاند و قدم أوراق اعتماده للرئيس (موسى عبدي).

🔔 لا ضرورة للخوض في تفاصيل التعاون المصري الإماراتي لأنه معلومٌ للجميع، و لكن كذلك فإن الإمارات من أكبر الداعمين لإثيوبيا؛ ففي عام (٢٠١٨م) قدمت الإمارات (٣) مليار دولار دعماً لإثيوبيا، و في عام (٢٠١٩م) وقع البلدان اتفاقاً للتعاون العسكري، و استثمرت الإمارات في (٥٦) مشروعاً إثيوبياً في مجالات الصناعة، و الزراعة، و العقارات، والتعدين، و الصحة و الفنادق، و تعمل في إثيوبيا (١٢٥٠) شركة إماراتية، و في (٢٠٢١م) قدمت الإمارات دعماً عسكرياً لإثيوبيا عبارة عن مركبات مدرعة من طراز (Calidus MCAV-2) و شحنات ضخمة من قنابل (الطارق) المتطورة، و في (٢٧ نوفمبر ٢٠٢٣م) نقلت مساعدات عسكرية في (٢٤) رحلة جوية لأنظمة متقدمة في توجيه القنابل، و تكررت ذات الرحلات في ديسمبر من نفس العام بما مكّن إثيوبيا من تحديث منظومة (بانتسير إس 1) الروسية للدفاع الجوي الذي تحمي به سد النهضة، و خلال العام الجاري نقلت لإثيوبيا عشرات ناقلات الجنود المدرعة وتعمل قوات الدولتين في مواجهة حركة الشباب الصومالية.

🔔 يقول أهلنا في دارفور “تِجِخْجِخ سُنون بجيب دم”، والحرب بين مصر و إثيوبيا هي ما تسعى له الإمارات بشتى السبل، و بالنظر للمعطيات المتعلقة بالدول الثلاث ذات العلاقة و من ورائهم الكيان الصهيوني فإن الصراع يدور حول المياه، و الغذاء، والطاقة، وأمن البحر الأحمر و الأمن الجيوسياسي الاستراتيجي للمنطقة من المنظور الصهيوني، والمعطيات تشير إلى أن الصراع المسلح المباشر بين مصر وإثيوبيا قد غدا وشيكاً -رغم أن التعريف الصريح لأطراف هذا الصراع بتأمل حيثياته تؤكد بأن العدو الحقيقي لمصر هو الإمارات قبل أن يكون إثيوبيا أو حتى إسرائيل- ؛ فالإمارات هي من تُذكي هذه الحروب بين الأطراف بأموالها تحت ستار الأخوة و الاستثمار بغية تعميم الفوضى الخلاقة في المنطقة بأسرها، و لو أن السودان كان لديه تعريف و ترتيب و تعامل صحيح مع قائمة أعدائه لما انفصل جنوب السودان، و لما أنشأ السودان المليشيات، و لما شارك في عاصفة الحزم، و لما جعل من أعدائه كُفلاء فمكَّنهم و عملاءهم من مفاصل الدولة، و نقول هذا اليوم إشفاقاً على مصر الكنانة ألّا تقع فيما سقطنا فيه من أخطاء و سوء تقدير، فالتكامل الاقتصادي والإدارة المشتركة لسد النهضة بين مصر و السودان و إثيوبيا ممكن و ضروري ولا يعوقه إلا تعنُّت النظام الإثيوبي، و هو ما يمكن معالجته لأنه تعنُّتٌ بإيعاز من إسرائيل و الإمارات و ليس موقفاً أصيلاً للشعب الإثيوبي الذي تعتمل فيه الثورات المسلحة و المكبوتة في كافة أقاليمه و مختلف عرقياته، و النظام الإثيوبي يرى في الحرب مع مصر فرصةً لتصدير أزماته الداخلية لهذه الحرب، وظنُّنا أن في مصر من الحكمة ما يعفينا عن تفصيل النصائح فيما ينبغي عليها فعله من السهل و الممكن و الناجع، و ما يحجزها عما أسقطنا أنفسنا فيه مِحن و مكائد السفهاء واقعةٌ بهم، و لن يحيق المكر السيئ إلا بأهله ، و الله غالبٌ على أمره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى