مقالات الرأي
أخر الأخبار

الفول السوداني كميزة تنافسية مجهولة (رؤية اقتصادية إستراتيجية) .. بقلم/ أحمد حسن الفادني

في المقال السابق تحدثنا عن الصمغ العربي كمورد اقتصادي و ورقة ضغط سياسية للدول العظمى التي تعتمد عليه في أغلبية صناعاتها الغذائية و الدوائية، و الآن و في سلسلة مقالات المحاصيل السودانية سوف نتحدث في هذا المقال الاقتصادي البحثي عن محصول إستراتيجي، و بما أن السودان يمتلك ثروات زراعية متنوعة تشكل ركيزة أساسية في بنية اقتصاده الوطني، و من بين هذه الثروات يأتي محصول الفول السوداني، الذي يعد من المحاصيل الإستراتيجية الهامة و ذي ميزة تنافسية عالية، غير أن مكانته في الاقتصاد الوطني و العالمي لم تأخذ بعد حظها الكافي من الاهتمام و التوظيف الأمثل. في هذا المقال، سوف نستعرض الأهمية الاقتصادية للفول السوداني في السودان، المزايا التنافسية التي يتمتع بها، فرص تعظيم إنتاجه وتصنيعه، و دوره في تعزيز الصادرات و تحسين الميزان التجاري من خلال نقاط مهمة تمثل رأس الرمح لكتابات تخصصية أكاديمية أو استثمارية تتمثل في الآتي:
أولًا: الفول السوداني في الاقتصاد السوداني:
1. أهمية زراعية و غذائية: يُعد الفول السوداني من المحاصيل الرئيسية في القطاع الزراعي السوداني، حيث يزرع على نطاق واسع في ولايات (الجزيرة، النيل الأزرق، كردفان، سنار، القضارف و دارفور)، حيث يمثل مصدرًا رئيسيًا للبروتين النباتي للإنسان والأعلاف الحيوانية، ويدخل في صناعات غذائية متعددة مثل الزيوت النباتية، زبدة الفول السوداني، و المكسرات و كمصدر دخل أساسي لآلاف المزارعين و العمال في سلسلة القيمة الزراعية.
2. أهمية اقتصادية: يساهم بشكل مباشر و غير مباشر في الناتج المحلي الإجمالي من خلال الإنتاج الزراعي و الصناعات التحويلية ذات الصلة، حيث يشكل موردًا مهما للعملات الأجنبية عبر التصدير إلى أسواق متعددة في أسيا و أوروبا و الشرق الأوسط، كما يسهم في تقليص معدلات البطالة و رفع معدلات الدخل في الريف السوداني.

ثانيا: الميزة التنافسية للفول السوداني السوداني:
1. العوامل الطبيعية:توفر الأراضي الزراعية الشاسعة و الخصبة ذات التربة الرملية الطينية المناسبة لزراعته،و وفرة المياه من الأمطار الموسمية والري الصناعي (مشروع الجزيرة مثالًا) كما تمت تجربة زراعته في ولاية نهر النيل و كانت كل التجارب ناجحة و ذات انتاجية عالية كما يلعب المناخ المناسب الذي يتيح موسمين للإنتاج.
2. انخفاض تكلفة الإنتاج: انخفاض كلفة الأيدي العاملة مقارنة بالدول المنافسة الأخرى، و توفر الخبرة التقليدية لدى المزارعين. كما يجب دعم المجتمعات الزراعية للأنشطة ذات العلاقة بزراعة الفول السوداني من خلال برامج التنمية الزراعية و الإرشاد الزراعي.
3. جودة المحصول: يتميز الفول السوداني المزروع في السودان بارتفاع نسبة الزيت (تتراوح بين 45-52%)، مع انخفاض محتوى الأفلاتوكسين مقارنة ببعض الدول المنافسة عند تطبيق ممارسات الحصاد و التخزين الجيدة، و قبول عالي في الأسواق العالمية لمذاقه المميز و استخداماته الصناعية و الغذائية المتنوعة.
4. الموقع الجغرافي والخدمات اللوجستية: قرب السودان من أسواق التصدير في الخليج و أوروبا و شمال أفريقيا، و إمكانية تطوير سلاسل الإمداد مع تحسين الموانئ و النقل البري و النهري.

ثالثًا: القيمة الصناعية و الاقتصادية للفول السوداني:

1. الصناعات المرتبطة:
– صناعة زيوت الطعام النباتية.
– صناعة الأعلاف الحيوانية.
– صناعات الأغذية الخفيفة والمعلبات.
– صناعة مستحضرات التجميل والصناعات الدوائية(استخدام زيت الفول السوداني كمكون طبيعي).
2. فرص الاستثمار الصناعي:
– إنشاء مصانع حديثة لاستخلاص الزيوت بجودة عالية.
– إنشاء وحدات فرز وتدريج وتعبئة بمواصفات التصدير.
– تطوير صناعة الأغذية المعلبة المعتمدة على الفول السوداني.

رابعًا: الفول السوداني وتعظيم الصادرات و تحسين الميزان التجاري:
1. تعزيز صادرات الفول السوداني:
– الأسواق التقليدية: الصين، الهند، مصر، دول الخليج، الاتحاد الأوروبي، مع إمكانية الدخول لأسواق جديدة مع تحسين الجودة واعتماد الشهادات الدولية مثل ISO وHACCP وGlobal GAP.
– تطوير اتفاقيات تجارية ثنائية لتسهيل الوصول إلى الأسواق.
2. أثر التصدير على الميزان التجاري: الفول السوداني مصدر لتوفير النقد الأجنبي مستقر مقارنة ببعض الصادرات الأخرى. كما يعزز الميزان التجاري الإيجابي ويقلل من العجز المزمن، حيث يدعم الاستقرار النقدي و يحسن من قدرة الدولة على استيراد السلع الإستراتيجية الأخرى.

خامسا: رؤية استراتيجية للنهوض بمحصول الفول السوداني:
1. تطوير الإنتاج:
– إدخال التقانات الزراعية الحديثة لتحسين الغلة وجودة المحصول.
– دعم البحوث الزراعية في تطوير الأصناف المقاومة للأمراض و الجفاف.
– تحسين ممارسات الحصاد والتخزين للحد من خسائر ما بعد الحصاد.
2. تطوير سلسلة القيمة المضافة:
– إنشاء شراكات مع القطاع الخاص الوطني والأجنبي في مجالات التصنيع و التعبئة و التصدير.
– تشجيع الصناعات التحويلية لإنتاج المنتجات النهائية ذات القيمة العالية.
3. إصلاح البيئة الاستثمارية:
– تسهيل التمويل الزراعي للمزارعين و الشركات الزراعية.
– تحسين البنية التحتية للنقل و التخزين و التصدير.
– تطوير التشريعات التي تدعم الاستثمار الزراعي و التصنيع الزراعي.
ويمكن أن نلخص القول بأن الفول السوداني يمثل للسودان ميزة تنافسية حقيقية لكنها لا تزال إلى حد كبير “ميزة مجهولة”، تحتاج إلى رؤية إستراتيجية متكاملة لاستثمارها بكفاءة في دعم الاقتصاد الوطني.
إن تطوير هذا القطاع يمثل فرصة حقيقية لتحقيق التنمية الريفية و القروية، و زيادة الصادرات، و تحسين الميزان التجاري و توفير فرص العمل، بجانب توفير نقد اجنبي تدعم مسيرة الاستقرار الاقتصادي السوداني في مرحلة ما بعد الحرب و إعادة الإعمار.

(من يمتلك الرؤية و يسعى لتحقيقها يمتلك القوة).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى