اللواء (م) مازن محمد اسماعيل يكتب : ألا كلُّ شئٍ ما خلا اللهَ باطل
اللواء (م) مازن محمد اسماعيل يكتب : ألا كلُّ شئٍ ما خلا اللهَ باطل
٢٦ مايو ٢٠٢٤م
▪اليقين هو العلم الذي لا شك معه .. يقول مبدأ اللايقين Uncertainty Principle للعالم الألماني Werner Heienberg باختصار: (من المستحيل تحديد موقع وسرعة وقيمة المجال ومعدل تغيره معاً لكمٍ ما في نفس الوقت) ، فهذا الكم هو قطعاً هو جسيمٌ و موجةٌ في ذات الوقت ، والحقيقة أن مبدأ هايزبيرج يتوافق مع المبدأ الفلسفي الذي سبق أن منهجه من قبل الفرنسي رينيه ديكات Renė Descarted صاحب مقولة أنا أفكر إذن أنا موجود ، والمتأمل لقوانين الكون وصروف الدهر لابد وأن يصل إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الحقيقة الوحيدة والدامغة في هذا الوجود ، وكلما عدا ذلك فهو افتراضي واحتمالي وتقديري وظنِّي ، وقد امتدح ربنا سبحانه وتعالى الموقنون ، وهم في يقينهم على درجاتٍ من علم اليقين إلى عين اليقين وصولاً لحق اليقين وانتهاءاً في برد اليقين.
▪يحكي عالم الاجتماع إدغار موران Edgar Morin أنه ذات يومٍ كان يقف في إحدى إشارات المرور عندما وجد سيارةً مسرعةً تقطع الإشارة الخضراء وتصطدم بشابٍ يقود دراجة .. يقول موران ذهبت بسرعة إلى الشاب فوجدته سليماً ، فالتفتت إلى سائق السيارة أوبِّخه على خطئه ، لكن السائق أنكر وبشدة كونه مخطئاً ، وجاء الشرطي وبدأ في سماع شهادة الشهود وفوجئت حينها أن الشهود أجمعوا على أن صاحب السيارة لم يخطئ ، وكان الأشد غرابةً أن سائق الدراجة نفسه شهِد بأنه هو المخطئ ، فالإشارة أمامه كانت حمراء ، وأنه خرج فجأةً أمام السيارة … كانت دهشة موران كبيرة ، وتساءل: ماذا حدث فعلاً؟.. ويجيب موران: الذي حدث أن رؤيتي لخطأ سائق السيارة لم تكن بناء على واقعٍ شاهدته ، وإنما كانت بناءً على قوالب منطقية في ذهني تقول بأن السيارة هي التي تصدم الدراجة ، والقوي هو الذي يجب أن يُلام حين يشتبك مع ضعيف … والخطير في الأمر هو أن العقل له تحيزاته التي قد تجعله يُكمل صورةً غير مكتملة ، بل قد يخترع صورةً ليست موجودةً في الأصل ، ويدفع بها إلى الوعي ليؤمن بها ويدافع عنها ويحارب من أجل إثبات صحتها ، والحقيقة أن هذا ما يحدث للجميع ، وبشكل لا إرادي ، ويتحكم في جزء غير يسيرٍ من مواقفنا في الحياة.
▪نعيش في لُجَجٍ من كونٍ يغلب عليه الافتراض بدلاً عن الحقيقة ، ونُتَقاذَف فيه ما بين الجُسيمية والموجية ، ويجرفنا فيه اللايقين وتحيزات العقل والأهواء والرغبات ، والهداية فيه للحق غايةٌ عزيزة ، وأعزُّ منها بلوغ اليقين ، ومن المستحيل علمياً ومنطقياً وفلسفياً الوصول إلى اليقين عن طريق اللايقين ، فالاستمساك بالعروة الوثقى لليقين القطعي .. يستوجب استيفاءاً لمتطلبات استحقاق التوفيق الإلهي بالهداية لاتباع منهج الحق الذي أنزله لتحقيق هذه الغاية ، ولا يتم ذلك إلا بمجاهدةٍ ومصابرةٍ على شُحِّ النفس وما عداه ، وتغليب الحق على ما سواه ، ومن رحمة الله أن الحق دائماً أبلجٌ لا يخفى ولا يغيب ، والاهتداء للحق هو أعظم وأجلُّ الرَّحمات ، ولكن كثيراً ما تعمى عنه الأبصار والبصائر كما عُمِّيت على قوم نوحٍ الذي أفنى القرون من عمره في توضيح الواضحات ، والذين ستعمى عليهم الأنباء يومئذٍ هم أقوامٌ اختاروا العمى في الدنيا ، فلا غرو أن يعموا عنها يوم القيامة ، فمن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا.
▪الفرق بين اللايقين واليقين هو كالفرق بين الموت والحياة {أَوَمَن كَانَ مَیۡتࣰا فَأَحۡیَیۡنَـٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورࣰا یَمۡشِی بِهِۦ فِی ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ لَیۡسَ بِخَارِجࣲ مِّنۡهَاۚ كَذَ ٰلِكَ زُیِّنَ لِلۡكَـٰفِرِینَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ} ، فشتَّان بين من هو على بيِّنةٍ من ربِّه ويتلوه شاهدٌ منه ، وبين من هو غارقٌ في الظلمات ليس بخارجٍ منها ظنَّاً منه بأنه يُحسِن صُنعاً .. وفيما يستدير الزمان دورته مبشراً بمستقبل يشرق فيه الكون بفجرٍ جديد ، ونشهد الذين يصطفيهم الله من أبناء الدول الغربية يهتدون إلى الحق ، وتنشرح قلوبهم للإسلام بالآلاف المؤلَّفة كل يومٍ على خلفية أحداث غزة ، والتي لفتت انتباه العالم لقراءة القرآن … فإننا نشهد بذات القدر آلافاً موازيةً من أبناء المسلمين يغادرون مواطن الحق بأقوالهم وأفعالهم ومواقفهم .. فكلٌّ يعملٌ على شاكلته ، وسبحان العزيز مُقلِّبِ القلوب ، وسبحان من يجتبي إليه من يشاء ، ويهدي إليه من ينيب … ولأن في قَصَصِهم عِبْرةٌ وعَبْرَة ، وحيث أن توثيق إنابتهم إلى الحق تغزوا بمقاطعها اليوتيوب كل يوم ، فلعل البعض يجدد إيمانه بمشاهدة بعضها ، فيرى كيف اطمأنت تلك القلوب حين لامستها بشاشة آيات الذكر الحكيم … وفيما نقول ذلك .. فإلى الله نشكوا قسوةً في قلوبنا .. والسلام لقلوبكم وقلوبكن.