المدن الصناعية المتخصصة في السودان (رافعة اقتصادية للتنمية المستدامة والتوزيع الجغرافي للإنتاج) .. بقلم/ أحمد حسن الفادني

يتميز السودان بتنوع بيئي ومناخي ينعكس في تنوع إنتاجه الزراعي و الحيواني و المعدني، مما يؤهله ليكون منصة رائدة لإنشاء مدن صناعية متخصصة في مختلف الولايات و الأقاليم، غير أن غياب التوزيع الصناعي المتوازن و تركز الصناعات في ولاية الخرطوم أثر تأثير مباشر في إضعاف سلاسل القيمة المضافة، و أدى لهدر كبير في الموارد و الفرص الاستثمارية و إذ نحن في هذا المقال سوف نستعرض أهمية المدن الصناعية المتخصصة و الموزعة حسب وفرة الانتاج الجغرافي في السودان من خلال النقاط التالية:
أولًا: أهمية المدن الصناعية المتخصصة:
1. تحقيق القيمة المضافة محليا: المدن الصناعية المتخصصة تسهم في تصنيع المنتجات بالقرب من مناطق الإنتاج، ما يقلل كلفة النقل، و يحافظ على جودة المواد الخام و يزيد من فرص التشغيل المحلي.
2. تنمية الولايات و الأقاليم و تقليل النزوح: من خلال التوسع الصناعي في الولايات يحفز النمو الاقتصادي المحلي و يخفف الضغط على المدن الكبرى.
3. تحفيز الاستثمارات النوعية: التخصص يمكن من استقطاب رؤوس الأموال، خاصة في الصناعات التحويلية المرتبطة بالإنتاج المحلي مثل صناعة الزيوت، اللحوم، الألبان، الجلود، الأعلاف، السكر و القطن.
ثانيًا: التوزيع الجغرافي للإنتاج في السودان (بيانات واقعية):
1. الجزيرة قطن، قمح، ذرة 60% من إنتاج القطن صناعة النسيج، الزيوت، الأعلاف
2. النيل الأزرق سمسم، ذرة، فول سوداني 40% من السمسم معاصر زيوت، صناعات غذائية
3. النيل الأبيض قصب السكر، الذرة 50% من قصب السكر مصانع سكر، كحول طبي
4. القضارف سمسم، ذرة، صمغ عربي 70% من السمسم السوداني معاصر، بودرة رذاذية للصمغ.
5. دارفور الكبرى ثروة حيوانية، فواكه 30% من الثروة الحيوانية تعليب لحوم، جلود و ألبان.
6. البحر الأحمر الأسماك و الملح و المعادن مخزون كبير غير مستغل صناعات غذائية و تعدينية.
7. جنوب كردفان الفول السوداني، السمسم، الذهب إنتاج زراعي و معدني كبير معاصر و مصانع ذهب.
ثالثًا: تشخيص المعوقات:
1. ضعف البنية التحتية: غياب الطرق المعبدة، الكهرباء الصناعية، و المياه في مواقع الإنتاج، و عدم وجود موانئ جافة و نظم نقل لوجستي فعالة داخل الولايات.
2. تركز الاستثمارات في العاصمة: 80% من المصانع تقع في الخرطوم، رغم أن أكثر من 70% من الإنتاج الزراعي و الحيواني خارجها.
3. غياب الحوافز الاستثمارية الجغرافية: لا توجد سياسات ضريبية أو تمويلية تفضّل المناطق الريفية ذات الإمكانيات الإنتاجية.
4. ضعف سلاسل القيمة: يتم تصدير معظم المحاصيل خامًا دون تصنيع، مما يضيع فرصة التوظيف و العائد الاقتصادي العالي.
رابعًا: الحلول الاستراتيجية المقترحة:
1. إنشاء مدن صناعية متخصصة حسب الإنتاج الجغرافي:
– الجزيرة : مدينة الصناعات الزراعية – ود مدني صناعة النسيج، الزيوت و الأعلاف.
– القضارف : مدينة الزيوت و الصمغ – الشوك معاصر، بودرة صمغ.
– دارفور :مدينة الثروة الحيوانية – نيالا لحوم، جلود و أعلاف.
– النيل الأبيض: مدينة السكر – كوستي سكر، إيثانول و مشتقات سكر.
– البحر الأحمر: مدينة الأسماك و المعادن – بورتسودان تعليب، تصدير، أسمدة بحرية.
2. إقرار قانون للمناطق الصناعية المتخصصة: يتضمن إعفاءات ضريبية 10 سنوات، و أولوية في التمويل و أراضي صناعية مخفضة.
3. إنشاء موانئ جافة و نقاط لوجستية: مثل ميناء بري زراعي في القضارف و ميناء للحوم في نيالا لتسهيل نقل السلع الصناعية.
4. تمويل صناعات القيمة المضافة: عبر صندوق تنمية صناعية ريفية بمساهمة الحكومة و المصارف و القطاع الخاص يموّل خطوط إنتاج في المناطق الريفية.
5. تفعيل الشراكة الثلاثية (حكومة – منتج – مستثمر): عبر عقود شراكة تضمن تسويق الإنتاج المحلي كمادة خام للمصانع داخل المدن الصناعية.
خامسا: نتائج متوقعة على المدى المتوسط:
1. زيادة صادرات السودان المصنعة بنسبة 60% خلال 5 سنوات.
2. توفير 200,000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في الأقاليم.
3. خفض تكاليف النقل بنسبة تصل 40%.
4. رفع إيرادات الدولة من الصناعات التحويلية بنسبة 35%.
و في الختام إن إعادة هندسة الخريطة الصناعية في السودان عبر إنشاء مدن صناعية متخصصة موزعة جغرافيًا حسب الإنتاج، تمثل فرصة استراتيجية لتفعيل الاقتصاد الحقيقي و تحقيق تنمية شاملة و مستدامة. فالمعوقات الحالية ليست قدرًا محتومًا، بل تحديات قابلة للحل بسياسات واقعية، و رؤية اقتصادية متكاملة تعيد الاعتبار للولايات كمحركات للنمو الوطني.
وسنواصل بالتفصيل ان شاء الله تعالى في سلسلة المدن الصناعية المتخصصة و توزيعها الجغرافي حسب الانتاج النوعي بالوفرة.