تحسين الميزان التجاري في السودان (مقاربة علمية وعملية في ظل الواقع الاقتصادي الاستثنائي) .. بقلم/ احمد حسن الفادني … باحث بمركز الخبراء العرب

ظل الاقتصاد السوداني يعاني من ويلات السياسات و التجارب و النظريات المتعددة الايجابية ولكن هشاشة الاقتصاد هي التي جعلتها فاشلة، وجاءت الحرب التي الحرب و وأدت الرمق الأخير له، فالاقتصاد السوداني يمر بواحدة من أعقد مراحله التاريخية، حيث تتشابك الأزمات السياسية والأمنية مع اختلالات هيكلية مزمنة ومتقادمة في البنية الاقتصادية. وفي هذا السياق، يشكل الميزان التجاري – الذي يعكس العلاقة بين الصادرات والواردات – أحد أبرز المؤشرات التي تتطلب إصلاحا عاجلا لضمان استقرار الاقتصاد الكلي، وتقليل الاعتماد على التمويل الخارجي، ووقف نزيف العملة الوطنية مع النقد الأجنبي.
نحاول جاهدين في هذا المقال إلى تقديم خطوات عملية واستراتيجية لتحسين الميزان التجاري السوداني، انطلاقا من الواقع المعاش، وبتحليل علمي وعملي يعكس التحديات والمخاطر، ويقترح حلولا قابلة للتنفيذ، مع مراعاة ما هو ممكن قانونيا وإداريا في الوقت الراهن من خلال تلك النقاط التي نعتبرها مدخل علاج التدهور الاقتصادي:
أولا: تشخيص واقع الميزان التجاري السوداني
– عجز مزمن: يظهر الميزان التجاري في السودان عجزا مستمرا لسنوات طويلة، بسبب تضخم فاتورة الواردات، وتراجع الصادرات غير النفطية بعد الانفصال.
– تدهور الصادرات الزراعية والصناعية: رغم امتلاك السودان لموارد زراعية ضخمة، إلا أن معظم صادراته تظل خاما (كالذهب، الصمغ العربي، المحاصيل النقدية)، دون قيمة مضافة تذكر.
– ارتفاع فاتورة الواردات: تشمل الواردات سلعا ضرورية كالوقود، والأدوية، والقمح، إلى جانب سلع استهلاكية غير ضرورية ترهق الاحتياطي من النقد الاجنبي.
ثانيا: الخطوات العملية لتحسين الميزان التجاري:
1. إحلال الواردات عبر الإنتاج المحلي: من خلال دعم الصناعات الوطنية، خصوصا صناعة الزيوت، الأدوية، الأغذية، الأسمدة، قطع الغيار، وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتعويض السلع المستوردة من دول الجوار، مع فرض قيود مؤقتة أو رسوم إضافية على السلع الكمالية المستوردة.
2. زيادة حجم ونوعية الصادرات: عبر التركيز على سلاسل القيمة الزراعية والصناعيةمثال: (تصدير الزيوت المعصورة بدلا من الحبوب الزيتية الخام)، وتحسين جودة التغليف والتعبئة والمعايير الفنية، وفق اشتراطات الأسواق الخارجية (دول الخليج، شرق آسيا)، وفتح أسواق جديدة عبر ملاحق تجارية في السفارات وتفعيل الملحقين التجاريين.
3. تسهيل الاستثمار في قطاعات التصدير: عبر منح إعفاءات ضريبية وجمركية للمشاريع الموجهة للتصدير، وتسهيل حركة النقد الأجنبي لمستوردي المدخلات ومصدري المنتجات.
4. اعتماد سياسة سعر صرف محفزة للتصدير: من خلال تحرير تدريجي لسعر الصرف الرسمي لجعل التصدير مجديا. ومكافحة السوق السوداء للدولار عبر تعزيز ثقة المصدرين بالنظام البنكي.
ثالثا: المخاطر الاقتصادية المصاحبة لعملية تحسين الميزان التجاري:
1. التضخم المحلي: تقييد الاستيراد قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع البديلة محليا في المدى القصير.
2. ضعف الإنتاجية: نقص التمويل، وانهيار البنية التحتية (نقل، كهرباء)، يؤثر سلبا على قدرة المنتجين المحليين على سد فجوة السوق،مع تحديات سلاسل الامداد الكلية الخدمات و الصناعة .
3. المضاربات والتهريب: ارتفاع الأسعار قد يدفع لانتعاش التهريب العكسي (خاصة الوقود والسلع المدعومة) نحو دول الجوار.
4. غياب التنسيق المؤسسي: ضعف اداء مؤسسات الدولة الاقتصادية وانفصال السياسات النقدية عن السياسات التجارية.
رابعا: خطوات استراتيجية وسياسات مقترحة للدولة:
1. تفعيل القوانين القائمة وتنفيذ الإصلاح المؤسسي: على سبيل المثال تفعيل قانون تنمية الصادرات وقانون تشجيع الاستثمار، مراجعة وتبسيط الإجراءات الجمركية للمصدرين.
2. إعادة هيكلة الجهاز الإنتاجي والتجاري: تأسيس جهاز وطني موحد لتطوير الصادرات، يعمل بشراكة مع القطاع الخاص، مع اعتماد خارطة وطنية للفرص الاستثمارية والتصديرية حسب الميزات التنافسية للولايات.
3. إطلاق محفظة تمويل الصادرات: من خلال الصندوق السيادي وذلك بتمويل مشترك من البنوك، وزارة المالية، وشركاء دوليين، وتوجيه القروض لتمويل خطوط الإنتاج التصديرية، خاصة في الزراعة والصناعات التحويلية.
4. مراجعة السياسات التجارية: بتوقيع اتفاقيات تفضيلية مع دول إقليمية (الكوميسا، السعودية، الصين، تركيا، روسيا). ويصاحب ذلك تطوير للبنى التحتية للتخزين والنقل البري والموانئ بما يخدم حركة التجارة الخارجية.
خامسا: توصيات قابلة للتنفيذ:
للخروج من المألوف في كتابة المقالات و الميل الى الاوراق البحثية العالمية و العملية نكتب توصيات تتمثل في:
1. التشريعات : يجب تفعيل قانون تطوير الصادرات و الذي سوف يؤثر على زيادة صادرات ذات قيمة مضافة.
2. الصناعة:من خلال دعم المصانع الإنتاجية مما يؤثر تقليل استيراد السلع الاستهلاكية.
3. الزراعة : بدعم الزراعة التعاقدية التي تؤثر لاستقرار الإنتاج وتحفيز التصدير.
4. النقد الأجنبي: توحيد سعر الصرف تدريجيا لكبح السوق السوداء وتشجيع التصدير.
5. الشراكات: فتح السوق للصناديق السيادية لتمويل مشاريع الصادرات الكبرى.
في خاتمة القول يمكن أن نلخص ،بإن تحسين الميزان التجاري في السودان لا يتطلب شعارات بل قرارات شجاعة مبنية على بيانات دقيقة، وتكاتف حكومي وشعبي لدعم الإنتاج المحلي وتوجيه الموارد نحو التصدير،وتبقى الفرصة مواتية رغم الأزمات، إذا ما تم توظيفها في سياق نهضة اقتصادية إنتاجية، تقودها رؤية وطنية تتجاوز الحرب والمحنة، نحو بناء اقتصاد متوازن ومستدام.
(بالعزمية نبني الوطن… وبالارادة نرفعه عاليا)