خشينا كاميرات المراقبة… و لم نستحِ من رقيبٍ عتيد .. بقلم/ د. أحمد الطيب .. مدرب وأستاذ التنمية والإدارة

في زمانٍ غلبت فيه الصورة على السريرة، و أصبحت العدسات تحكم السلوك أكثر من الضمائر، بات الإنسان يرتّب هيئته، و يحسن منطقه، ويضبط حركاته، إذا ما علم أن هناك كاميرا تراقبه، حتى و إن كانت لا تسجّل صوتًا، و لا تُحسن التمييز. و لكنّه، و يا للعجب، لا يستحي من رقيبٍ لا تخفى عليه خافية، رقيبٍ يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور.
مفارقة العصر:
صرنا نخشى كاميرات المراقبة التي لا تملك لنا ضرًا و لا نفعًا، أكثر مما نخشى الله العليم الخبير، الذي خلق السمع و البصر و الفؤاد، و سيسألنا عن كل ما نطقت به الجوارح أو انطوى عليه القلب.
فكيف لعدسة جامدة أن تهذب السلوك، بينما رقابة الله لا توقظ الضمائر؟!
وازع التقنية أم وازع الإيمان؟
لقد ارتقى الإنسان في تقنياته، فاخترع ما يحصي عليه أنفاسه، ويتتبع خطواته، ويفضح سريرته متى شاء. ولكنه إن لم يصحب هذا الارتقاء وازعٌ إيمانيّ، فإنه سيغدو رهينة الشكل لا الجوهر، والخوف لا الحياء، والمراقبة الظاهرة لا الرقابة الباطنة.
والغريب أن بعض الناس يتصرفون أمام الكاميرات وكأنهم في حضرة مَلَكٍ من الملائكة، بينما هم في خلواتهم يتجرّؤون على الله بما لا يجرؤون عليه أمام آلة صامتة!
العلم لا يعارض الإيمان… بل يثبّته
كل ما توصّل إليه الإنسان من تقنيات المراقبة، إنما هو برهان على قدرة الخالق، وتذكرة لعباده.
فالذي ألهم العقول فكرة الكاميرا، هو من أوجد البصر، وركّب شبكية العين، و خلق الضوء وظلاله، و هو القائل وَجَعَلْنَا لَهُ سَمْعًا وَ بَصَرًا وَ فُؤَادًا.
فهل يعقل أن نؤمن بكاميرا من صنع البشر، و نغفل عن رقيبٍ يعلم السر و أخفى؟
يوسف عليه السلام… نموذج المراقبة الباطنة
ما أعظم هذا المشهد حين دُعي إلى المعصية، في غياب الشهود، و في لحظة ضعف، و مع وجود الإغراء، لكنه لم ينظر يمنة و لا يسرة… بل نظر إلى السماء و قال: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ﴾.
هكذا يربي الإيمان، و هكذا تصنع مراقبة الله من الإنسان نبيًا نقيًا، و إنسانًا مستقيمًا حتى و إن غاب الرقيب الدنيوي.
خاتمةٌ للبصيرة:
لو راقبنا الله كما نُحسن الوقوف أمام كاميرات المراقبة، لأحسنّا الوقوف بين يديه في الخلوات.
فمن خاف الله في الخفاء، أمن في العلن، و من راقبه في سره، نجاه في علنه.
فلنكن ممن استحيا من الله حق الحياء، قبل أن نكون ممن يخشون عدسة تُطفأ بزر.