مدينة الصناعات الجلدية (إمكانيات كبيرة تحتاج للاستثمار) .. بقلم/ أحمد حسن الفادني

مواصلة لسلسلة مقالات المدن الصناعية المتخصصة و التي بدأناها لمدينة الصناعات الغذائية بولاية نهر النيل، و التي وضعناها في شكل قالب اقتصادي يحتمل زيادة أو استبعاد بعض الاستثمارات أو تكون مدن غير جغرافية بل تكون قطاعية في الصناعة، و الآن في هذا هذا المقال نستعرض مدينة الصناعات الجلدية و بنفس النسق القطاعي أو الجغرافي، و بما أن السودان يمتلك ثروة حيوانية هائلة تعد من الأكبر في أفريقيا والعالم العربي، تقدر بأكثر من 107 ملايين رأس من الأبقار، و الضأن، و الماعز و الإبل حسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء للعام 2023، و تنتج هذه الثروة ما يقارب 15 إلى 18 مليون قطعة جلد سنويًا، إلا أن نسبة كبيرة من هذه الجلود يتم تصديرها خامًا بأسعار متدنية أو تهدر نتيجة لسوء التعامل معها أو سوء المعالجة و ضعف البنية التحتية، مما يسبب خسارة فادحة للاقتصاد القومي في ظل هذه المعطيات، تأتي الحاجة لإنشاء مدينة صناعية متخصصة في الصناعات الجلدية قطاعية أو جغرافية، كخطوةإستراتيجية لتوطين القيمة المضافة، و تنمية الصادرات غير البترولية، و خلق فرص عمل و تحفيز الاستثمار المحلي و الأجنبي.
أولًا: دوافع إنشاء مدينة الصناعات الجلدية:
1. القيمة الاقتصادية المهدرة: السودان يصدر الجلد الخام بأسعار تتراوح بين 2 – 10 دولارات، بينما يمكن تحويل نفس الجلد إلى منتج نهائي (مثل الحذاء أو الحقيبة) بقيمة مضافة تصل إلى 100 – 300 دولار، حيث نجد أكثر من 60% من الجلود المنتجة سنويًا لا تستغل صناعيًا نتيجة لغياب منظومة تصنيع متكاملة.
2. الفرص التصديرية: الصناعات الجلدية تمثل قطاعا تنافسيا عالميًا يمكن للسودان أن يندمج فيه بسهولة، خاصة في ظل الطلب المتزايد في الأسواق الأفريقية و العربية و الآسيوية، و يمكن للمدينة أن تتحول إلى مركز إقليمي للتصدير نحو دول الجوار (تشاد، جنوب السودان، إثيوبيا، إفريقيا الوسطى) من خلال إنشاء مراكز فرز و تجميع في الولايات التي بها إنتاج عال من الجلود و مدابغ أولية للحفاظ على الجلود من التلف و الهدر و لكنها إلى المدينة الصناعية المتخصصة.
3. فرص التشغيل و الاستقرار الاجتماعي: يتوقع أن توفر المدينة عند اكتمالها أكثر من 15,000 وظيفة مباشرة، وآلاف الوظائف غير المباشرة في سلاسل القيمة (النقل، التسويق، التعبئة، الخدمات اللوجستية بمراكز الفرز و الجميع و المدابغ الأولية)، و تسهم المدينة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي عبر دمج المجتمعات الريفية و الرعوية في سلاسل الإنتاج الحديثة.
ثانيا: اختيار الموقع الجغرافي الأنسب
استنادا إلى دراسات المدن الصناعية المتخصصة في السودان، فإن ولاية القضارف تعتبر الأنسب جغرافيا للأسباب التالية:
1. الموقع الإستراتيجي: تقع القضارف على تقاطع طرق التجارة نحو إثيوبيا، والبحر الأحمر، وميناء بورتسودان، والخرطوم، مما يجعلها نقطة وصل ممتازة للتصدير.
2. وفرة الخام: القضارف ومنطقتها الزراعية المحيطة تعد من أكبر مناطق الإنتاج الحيواني والجلود في السودان.
3. التداخل الإقليمي: قربها من الحدود مع إثيوبيا يوفر نافذة نحو السوق الإثيوبي الذي يتجاوز 120 مليون نسمة.
4. البنية التحتية: وجود ميناء بري جاري التخطيط له، وطريق قومي مزدوج يربطها بميناء بورتسودان، ودعم كهربائي عبر مشروع سد ستيت.
ثالثا:مكونات مدينة الصناعات الجلدية:
1. مجمعات متكاملة لدباغة الجلود (بمواصفات صديقة للبيئة).
2. مصانع الأحذية والحقائب والمنتجات الجلدية الراقية.
3. معهد تدريبي لتأهيل الفنيين والعمال.
4. مركز للتصميم و الابتكار الصناعي.
5. مناطق خدمات لوجستية وتخزين وتبريد.
6. منطقة حرة تجارية متخصصة للتصدير و إعادة التصدير.
رابعًا: العوائد الاقتصادية و المالية:
1. القيمة المضافة من تحويل 10 ملايين قطعة جلد 300 مليون دولار.
2. فرص العمل المباشرة 15,000 وظيفة.
3. مساهمة متوقعة في الصادرات خلال أول 5 سنوات 10% من الصادرات غير النفطية.
4. مساهمة في الإيرادات الضريبية والجمارك 40 – 50 مليون دولار سنويا.
5. جذب استثمارات أجنبية مباشرة متوقعة 100 – 150 مليون دولار خلال 3 سنوات عبر الشراكات وتتمثل في (الصين ، تركيا ،الهند، مصر).
خامسًا: الصناعات المصاحبة و المكملة وتتمثل في :
1. الصناعات الكيميائية و المستحضرات الجلدية.
2. إنتاج الغراء و المطاط الصناعي.
3. الطباعة و التغليف و التعبئة.
4. صناعة القوالب و النماذج الصناعية.
5. صناعة مستلزمات السلامة الجلدية (القفازات، الأحزمة).
سادسًا: فرص الاستثمار المحلي والأجنبي: حيث يمكن تخصيص حوافز ضريبية وجمركية لمدة من 10-15 سنه للمستثمرين،وتفعيل الشراكات بين القطاع العام والخاص لإنشاء البنية التحتية، كما يمكن توفير تمويل تنموي بالشراكة مع بنوك تنموية إسلامية و أفريقية او دولية ،ويمكن يتم تأسيس صندوق خاص لدعم الصناعات الجلدية يشجع رواد الأعمال المحليين بالشراكة مع مؤسسات ريادة الأعمال و الابتكار السودانية .
سابعًا: توصيات تنفيذية قابلة للتطبيق:
1. إصدار قانون خاص بإنشاء مدينة الصناعات الجلدية، وربطها بخطة الدولة الصناعية.
2. تكوين لجنة فنية من وزارات (الصناعة – الثروة الحيوانية – الاستثمار – البيئة- القطاع الخاص- الشركات الحكومية).
3. طرح المشروع للاستثمار عبر منصة وطنية موحدة للمستثمرين( الصندوق السيادي للاستثمار) كما ذكرنا من قبل في مقالات سابقة.
4. توقيع اتفاقيات شراكة مع شركات عالمية من تركيا والهند والصين ومصر.
5. ربط المدينة بمراكز التدريب الصناعي الحكومية لتأهيل الشباب.
6. تضمين المدينة في برامج الإنعاش الاقتصادي الوطني كأولوية إستراتيجية.
وفي خاتمة هذا المقال نلخص القول بإن مدينة الصناعات الجلدية تمثل فرصة وطنية ضائعة ما لم يتم اغتنامها الآن، خاصة في ظل ظروف السودان الراهنة التي تتطلب مشاريع ذات أثر مباشر على الإنتاج والدخل والتشغيل. فالسودان لا يحتاج فقط إلى تصدير موارده، بل إلى تصدير قيمته المضافة و عقله المنتج، و هذا ما تحققه هذه المدينة إن تم التخطيط لها وتنفيذها بعناية و واقعية.
(خيرنا كتير … عايز وعي و إرادة).