منذ أن أعلنت مصر احتضانها لاجتماعات دول جوار السودان و الدول الإقليمية التي كانت و مازالت سبباً في الحرب، و تدعم المليشيا المتمردة بالسلاح و المواقف السياسية مما جعل المليشيا تتصلب في مواقفها و تستمر في إرتكاب جرائمها ضد المواطنين العزل، مما أدى لتوقف منبر جدة التفاوضي بعد أن إتفقت بمخرجاته في جولته الأخيرة قبل سبعة أشهر و لم تلتزم بها.
إن الدول المجتمعة في مصر اليوم لن تكون مؤهلة أخلاقياً في الوساطة بين الحكومة السودانية و المليشيا المتمردة مادامت لم تعلن توبتها عما جنت في حق السودان و أهله بمواقفها الداعم للمليشيا المتمردة، فهي في البدء تحتاج لأن ترمّم علاقاتها مع السودان و مؤسساته الشرعية و في حينها ننظر هل يرضى الشعب و يقبل توبتهم.
و على النقيض تمامً نرى المواقف المشرفة لمصر -الرسمية و الشعبية- في عدم قبولها بالتدخل الخارجي في الحرب السودانية بإعتباره شأناً داخلياً يخص السودانيين وحدهم، مع وقوفها المساند للجيش السوداني بإعتباره المؤسسة العسكرية الشرعية في البلاد، و استقبالها و إيوائها لإخوانهم السودانيين الفارّين من جحيم الحرب التي تخوضها المليشيا المتمردة ضدهم على العكس تماماً مما حدث من دول جوار السودان عدا إريتريا .
أرى أن مصر هي الوحيدة القادرة على إحداث إختراق في مسار الحرب، و عودة العلاقات الطبيعية للسودان مع دول الجوار في حال كانت تلك الدول جادة في عودتها لمسار العلاقات و أن تُوقِف تدفق السلاح و المرتزقة إلى السودان لدعم مليشيا الدعم السريع.
فمصر تعتبر أمن السودان جُزءاً لا يتجزَّأ من أمنها القومي بحكم الجوار و التداخل و الانصهار بين الشعبين المصري و السوداني، و أيضاً القضايا المشتركة بين البلدين منذ الأزل، بالإضافة لوجود العدوّ الصهيوني المحتلّ في حدودها الشمالية الشرقية، و ما تسبّبُه حربه على غزة من اختلال على أمنها فهي -لما سبق ذكره أعلاه- تسعى جادة في إيقاف الحرب، و عودة الأمن للسودان تأميناً لحدودها الجنوبية حتى تتفرغ لمجابهة مهدداتها الأمنية و الاقتصادية الآنية و المستقبلية.
إن بيان الخارجية اليوم بخصوص ردها على العرض الأمريكي ببدء مفاوضات في جنيف، و توسيع قاعدة المشاركة للمسهلين بإضافة دول عليها تحفُّظ بالاعتذار و قبولها بالدعوة المصرية في الإنخراط في الإجتماعات بخصوص الحرب في السودان -يؤكد حرص السودان على عودة مصر لدورها الطليعى و الطبيعي فيما يتعلق بالسودان فكأنّما يقول السودان شكراً للشقيقة مصر.
في اعتقادي أن مصر قد وصلتها تطمينات بأن تلك الدول المجتمعة في مدينة العلمين قد تتوصل لحد معقول من التفاهم تمهيداً لإستمرار التفاوض في منبر جدة الذي تتمسك به الحكومة السودانية كمنبر تأسبسي للتفاوض لإيقاف الحرب، مع عدم إغفال تمسُّكها بمخرجاته التي تم الإتفاق عليها فهي موقف قوة إنطلاقاً من الالتفاف الشعبي حولها في حربها ضد التمرد، و أيضاً بما حققته من إنتصارات على المليشيا المتمردة و كسر قوتها الصلبة بعد آخر جولة تفاوض في جدة.
فعلى الحكومة السودانية أن ترتب أوراقها و تقوّي عزيمتها بأن تظل متمسكة بمواقفها القوية ضد المليشيا و من عاونها من دول الاقليم، بل عليها أن تُعلي سقف شروطها و مطالبها بما يحقق مكاسب و تعيد الأمن و السلام للسودان و السودانيين دون تنازل أو خضوع.