مقالات الرأي
أخر الأخبار

منظومة Buk-M3 و مدى حاجة السودان لها في ظل التحديات الأمنية الراهنة .. بقلم/ لواء ركن دكتور (م) سعد حسن فضل الله

في خضم التحولات الجيوسياسية و الأمنية المتسارعة التي يشهدها السودان، برزت الحاجة الملحة لإعادة تقييم قدرات البلاد في مجال الدفاع الجوي، خاصة مع تصاعد التهديدات غير التقليدية مثل الطائرات المسيّرة و الصواريخ قصيرة المدى، التي أصبحت تشكّل رعبًا للحكومة و المواطنين على حد سواء. و قد استُهدفت بها مرارًا القيادة العامة، و الوحدات العسكرية، و البنى التحتية الحيوية مثل سد مروي، الذي تعرض لأكثر من عشر ضربات مؤثرة، تسببت في انقطاع الكهرباء لأكثر من عشرة أيام، و لا تزال العاصمة الخرطوم و مدنها الثلاث تعاني من هذا الانقطاع حتى لحظة كتابة هذا المقال.

في هذا السياق، تُطرح منظومة الدفاع الجوي الروسية Buk-M3 كخيار استراتيجي يمكن أن يُحدث تحولًا في ميزان القوى لصالح من يمتلكها.

ما هي منظومة Buk-M3؟

المعروفة في تصنيف الناتو باسم SA-17، تمثل Buk-M3 الجيل الأحدث من سلسلة منظومات الدفاع الجوي الروسية “بوك”. دخلت الخدمة رسميًا في الجيش الروسي عام 2016، وتُعد من أبرز أنظمة الدفاع الجوي المتوسطة المدى في العالم.
تتميز بقدرتها على تدمير الطائرات الحربية، والطائرات دون طيار، والصواريخ الجوالة، وحتى القنابل الذكية، ضمن مدى يصل إلى 70–85 كيلومترًا، وبارتفاع يصل إلى 35 كيلومترًا.

وتتمتع Buk-M3 بمرونة عالية في القتال، حيث تُزوَّد كل مركبة إطلاق برادار مستقل، ما يتيح لها الاشتباك مع الأهداف دون الحاجة إلى مركز قيادة، ويجعلها أقل عرضة للتشويش وأسرع استجابة في الميدان.

لماذا يحتاج السودان إلى Buk-M3؟

في ظل الصراع الداخلي المعقد، يواجه السودان تهديدات جوية متزايدة، خاصة من الطائرات المسيّرة التي باتت تُستخدم على نطاق واسع في النزاعات الحديثة. و رغم امتلاك السودان لمنظومات دفاع جوي مثل “أوسا” السوفيتية إلا أنها تعاني من التقادم التكنولوجي و ضعف القدرة على تغطية الأجواء بصورة شاملة.
هنا تبرز أهمية منظومة Buk-M3، التي توفر دفاعًا جويًا متطورًا و فعّالًا قادرًا على التصدي للهجمات المفاجئة و التعامل مع أسراب المسيّرات، مع إمكانية دمجها ضمن شبكة دفاع جوي أشمل تحمي العاصمة و المواقع العسكرية الحيوية.

بين الإمكانيات و التحديات

رغم الحاجة الملحة لهذه المنظومة، تواجه السودان عقبات سياسية و اقتصادية في سبيل الحصول عليها. فصفقات التسلح المتقدمة تتطلب تمويلًا ضخمًا، بالإضافة إلى تعقيدات الموافقات الدولية، خاصة في ظل العقوبات الغربية المفروضة على بعض موردي السلاح.

و مع ذلك، فإن التعاون العسكري المتنامي بين السودان وروسيا في السنوات الأخيرة -خاصة مع اقتراب إقامة القاعدة الروسية في فلامنغو- قد يفتح المجال لاتفاقيات تزويد تدريجية أو صفقات بنظام المقايضة.

التكلفة والعائد الاستراتيجي

تتراوح تكلفة منظومة Buk-M3 بين 20 إلى 30 مليون دولار، و تشمل المنظومة الكاملة: مركبات الإطلاق، و الرادارات، و نظام القيادة. تختلف الأسعار حسب عدد الوحدات المطلوبة، و شروط التعاقد، و متطلبات التدريب و الصيانة وقطع الغيار.
و يُعد هذا المبلغ زهيدًا مقارنة بتأمين منشأة إستراتيجية كـسد مروي الذي يشكّل ركيزة أساسية للاقتصاد و الطاقة في البلاد.

خاتمة:
السودان، الذي يخوض مرحلة إعادة بناء لمؤسساته العسكرية، يحتاج إلى مظلة دفاع جوي عصرية تواكب طبيعة التهديدات المتزايدة، خصوصًا تلك التي يصعب رصدها بالأنظمة التقليدية مثل الطائرات المسيّرة.

منظومة Buk-M3 قد تكون خيارًا حاسمًا في هذه المرحلة، تمهيدًا للوصول إلى منظومات أكثر تطورًا مثل S-400، لكن اتخاذ هذا القرار يتطلب إرادة سياسية شجاعة.

لقد آن الأوان لتحويل المبالغ المخصصة لصيانة القصر الجمهوري إلى شراء أكبر عدد ممكن من هذه المنظومة، فالدفاع عن السيادة أولى من التجميل، و استعادة السيطرة على المجال الجوي أولوية وطنية في مواجهة من يهددون بتكوين حكومة موازية و امتلاك الطائرات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى