من محراب داوُد إلى قاعة الوزراء: دروس في العدالة والإصغاء لبناء السودان الجديد .. بقلم/ د. أحمد الطيب السماني – مدرب وأستاذ التنمية والإدارة

في لحظة صفاءٍ روحي، وهو في خلوته التعبدية، تسوّر رجلان محراب النبي داوُد عليه السلام، وعرضا عليه قضية بدا فيها الظلم واضحًا. فلما سمع طرفًا واحدًا، حكم مباشرة، فقال: ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ﴾.
لكن المفاجأة أن داوُد، عليه السلام، ما إن أصدر الحكم، حتى استشعر أنه وقع في فتنة، لا لشيء إلا لأنه لم يسمع الطرف الآخر فاستغفر ربه وخرّ راكعًا و أناب.
تلك اللحظة، التي خلّدها القرآن في سورة “ص”، ليست مجرد سرد لقصة تاريخية، بل هي منهج رباني في الحكم والإدارة والعدالة، ينبغي أن تكون مرجعًا لكل صاحب منصب، وقائد مسؤول و وزير طامح في الإصلاح.
إلى وزراء حكومة الأمل:
أنتم اليوم على عتبة صناعة التاريخ في السودان. وأمامكم فرصة نادرة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن، وتحقيق حلم طال انتظاره.
ولكن قبل رسم السياسات، وإصدار القرارات، والجلوس على الكراسي، لا بد أن تتسوروا محراب الضمير أولاً، وتتأملوا في درس نبي الله داوُد:
❖ لا عدالة دون إنصات للطرفين.
❖ لا إصلاح دون استشعار ثقل المسؤولية.
❖ لا حكمة دون تأنٍ وتفكر في عواقب الأحكام.
❖ ولا نهضة دون محاسبة للنفس قبل محاسبة الآخرين.
الفتنة ليست دائمًا فتنة شهوة أو مال،
بل أحيانًا تكون في الاستعجال بالحكم، أو الثقة الزائدة في رواية واحدة أو في غياب الحياد في المواقف.
من هنا، فإن دعامة السودان الجديد لن تقوم على السلاح، ولا على الخطاب الحماسي، بل على عدالة راشدة، وإدارة رشيدة، واستماع عادل لجميع المكونات السودانية مهما اختلفت خلفياتها ومواقفها.
وصيتي للوزراء الجدد:
أنصتوا جيدًا… فالقرار العادل يبدأ بأذن واعية.
استشيروا بصدق… فالرأي الفردي قد يصيب لكنه كثيرًا ما يعمى.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا… فالتاريخ لا ينسى.
تذكروا أن التسرّع في الحكم فتنة حتى لو كنتم على حق.
وأخيرًا…
كما خرّ داوُد راكعًا و أناب، يجب أن نخر جميعًا راكعين لضمير الوطن وتائبين من مسارات الأنانية السياسية السابقة.
السودان الجديد يحتاج إلى وزراء بقلوب أنبياء لا ببطانة طغاة، و إلى إدارة تُصغي قبل أن تحكم وتُصلِح قبل أن تُعاقِب.
فلنبدأ من هنا… من درسٍ بسيط في محراب نبي الله داوُد.
و لكم منى الودّ.