وجه الحقيقة … إستراتيجية السودان لإستعادة الأمن ومجابهة نشر قوات دولية … بقلم إبراهيم شقلاوي
كثر الحديث هذه الأيام في السودان عبر صحافة محلية عن وصول شحنات كبيرة من مدرعات و مركبات قتالية إلى جانب أسلحة متطورة و متنوعة إلى عدد من الموانئ و المطارات الأفريقية تمهيداً لشحنها لدعم التمرد في حربه ضد الجيش و الشعب السوداني المشتعلة منذ منتصف العام الماضي عقب محاولة إنقلابية فاشلة هدفت إلى إزاحة الجيش و الاستيلاء على الحكم، هذا بالتزامن مع ما أوصت به لجنة خبراء من الأمم المتحدة الجمعة الماضية بنشر قوة مستقلة و محايدة من دون تأخير في السودان بهدف حماية المدنيين في مواجهة الفظائع المرتكبة ضدهم، تلك التوصية التي جاءت ضمن توصيات لجنة تقصي الحقائق الدولية الخاصة بالسودان التي فُوِّضت في أكتوبر من العام الماضي بواسطة مجلس حقوق الإنسان بموجب قرار اعتمده المجلس بأغلبية محدودة؛ حيث صوتت لصالحه (19) دولة،و صوتت ضده (61( دولة بينما امتنعت (12) دولة عن التصويت حيث أعترض السودان على قيام اللجنة لوجود آليات عديدة للأمم المتحدة و مجلس حقوق الإنسان و التي تعاون السودان معها بشكل جيد عبر بعثته فى جنيف مسنودة بموجهات قيادة الدولة.
علي ضوء هذا التطور أصدرت الخارجية السودانية بيان صحفي السبت قالت فيه بأن بعثة تقصي الحقائق بشأن السودان استبقت دورة المجلس الجديدة التي تبدأ في (10) سبتمبر الجاري بنشر تقريرها و عقد مؤتمر صحفي حوله قبل أن يستمع له المجلس الذي أنشأها، حيث وصفت الخارجية اللجنة بأنها تفتقد للمهنية و الاستقلالية، و أن ذلك يؤكد أنها هيئة سياسية لا قانونية مما يعضد موقف حكومة السودان منها منذ تشكيلها الذي لم تؤيده أى من الدول الأفريقية أو العربية، موضحاً أن التوصيات التي قدمتها البعثة تتجاوز حدود تفويضها، و تتماهي مع تحركات يشهدها مجلس الأمن من قوى دولية معروفة ظلت تتصدر المواقف العدائية ضد السودان حسب البيان، عليه كما يبدو فإن هناك أجندات أخرى تعمل في الخفاء تعتمد على نفوذ و تأثير بالغ لعدد من الأطراف التي أشعلت الحرب و ظلت تدعمها لأجندة معلومة للجميع.
علي أية حال يجب أن نأخذ الأمر مأخذ الجدية اللازمة التي توجب على السودان التحرك العاجل و الفاعل لوأد أي مخطط ربما يمضي بالبلاد إلى مزيد من إذكاء الصراع و إطالة أمد الحرب أو التفكيك إلى أكثر من دولة مثل حال بعض الدول في محيطنا الإقليمي في ظل ظروف معقدة للغاية تعيشها بلادنا على المستوى الداخلي و الإقليمي و الدولي، فالأمر بات لا يحتمل الانتظار في ظل الضغط الدولي والإقليمي المنظّم لأجل الوصول لسلام يضمن مكان للتمرد في اليوم التالي من الحرب. كذلك علينا أن لا نعتمد على فكرة أن الأمر لا يتجاوز كونه ابتزاز للذهاب للمفاوضات و القبول بأي نتائج. كذلك على الذين يركنون إلى أن العالم يعيش انقسام حول كثير من القضايا الدولية و الإقليمية لن يتمكن من الدفع بقرار متعلق بالتدخل في السودان تحت أي بند أو صفة.
كذلك علينا أن لا نعتمد على (فيتو) روسيا أو الصين في حال طُرِح الأمر فُرضت عليه منذ العام (1997م) و التي ألحقت بالبلاد خسائر اقتصادية و سياسية فادحة فاقت (50) مليار دولار رغم تنسيق الحكومة السودانية معها في كافة القضايا التي طُرحت في مجلس الأمن في ذلك الحين.
وكذلك أرجو عدم التعويل علي روسيا المشغولة بحربها في أوكرانيا، و التي تفرض عليها قدر كبير من توازن المصالح في المحيط الإقليمي والدولي لن يجعل السودان بأي حال في مقدمة الأولويات لدرجة إستخدام فيتو لصالحه لذلك أخشى أن يظل هذا التعويل و الذي جعل الحكومة السودانية تتفاجأ من قبل بحزمة من القرارات قدمت في مجلس الأمن و التي ما تزال آثارها الكارثية شاخصة ترزح البلاد تحت وطأتها. كما أن موضوع الجنائية الدولية نفسه لم تدرك الحكومة آنذاك خطورته إلا بعد أن أصبح أمراً واقعاً أخر البلاد كثيراً و حرمها من مشاركات مهمة على المستوى الإقليمي و الدولي. لذلك يجب علينا في هذه المرة التحرك العاجل الفوري لاتخاذ التدابير اللازمة لإجهاض أي محاولة ربما تفرض علينا واقعاً جديد غير مرحب به من قبل أغلب السودانيين يعتمد نشر قوات أو يضعنا تحت بند الوصاية الدولية.
كذلك علينا أن نمضي في خطة جادة على مستويين؛ داخلي و خارجي. أما الداخلي من خلال استنهاض كافة المجتمع و الكيانات السياسية و الحزبية الوطنية بجانب كافة المنظمات الحقوقية و التجمعات الشعبية في التعبير عن رفض للابتزاز الدولي الذي إن أراد أن يمضي في شأن حماية المدنيين أن يُلزم التمرد بتنفيذ إتفاق جدة للقضايا الأمنية و الإنسانية دون إبطاء أو تأخير، وتوضيح أن ذلك يوقف الحرب التي يتطلع الجميع إلي نهايتها. أما المستوى الخارجي يجب أن تنشط كافة البعثات الخارجية على مستوى الدول الكبري المؤثرة و على مستوى المنظمات الاقليمية و الدولية لشرح موقف السودان الحريص على السلام و عودة الأمن من خلال تنفيذ ما تم الإتفاق عليه في منبر جدة في (11 مايو من العام 2023 م) وفقاً لرؤية خارطة الطريق التنفيذية التي تقدمت بها الحكومة السودانية للوسطاء، مع ضرورة أن تعقد البعثة السودانية بالأمم المتحدة مؤتمرات صحفية دورية لكافة وكالات الأنباء العالمية لشرح التطورات و لتوضيح رؤية السودان لوقف الحرب حتي لا يترك المجال للآخرين للتحرك بدعوى أنهم أحرص على السلام.
كذلك علينا الإستفادة من درس الحرب في توحيد جبهتنا الداخلية مع استثمار الفرص الهائلة للسودان لوضع مصالح البلد الوطنية فوق أي اعتبار مع أهمية التحرك بموجب ذلك في الفضاء الدولي و الاقليمي دون اعتبار لأي أجندات خارجية، ذلك وحده وجه الحقيقة التي تدفع السودان إلى تعزيز استراتيجيته الوطنية المتعلقة بفرض السلام واستعادة الأمن و مجابهة أي محاولات لنشر قوات دولية و تلك تعتبر خطوة استباقية سوف تخلط أوراق التمرد و الداعمين الإقليميين قبل أن يتمكنوا من خلط أوراق الحكومة السودانية.
دمتم بخير وعافية..
الأحد/ 8 سبتمبر/ 2024 م. Shglawi55@gmail.com