مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … (الترقيع) لا يصنع انتقالاً .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

في المشهد السوداني المعقّد، يواصل صانع القرار انتهاج سياسة «التدرج» و «المدافعة» في التعامل مع ملف تعيين رئيس الوزراء الانتقالي، رغم إجازة الوثيقة الدستورية المعدلة لعام 2025، و التي يفترض أن تُمهّد الطريق نحو حكم رشيد و تنمية مستدامة عبر حكومة كفاءات وطنية مستقلة. إلا أن الواقع يشير إلى استمرار الدولة في اعتماد نهج الإعفاء دون تعيين، و غياب الرؤية المعلنة لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات في ظل ظروف تتداخل فيها اعتبارات الداخل و المحيط و الإقليم.

و يبدو أن رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يترقّب نضوج اللحظة السياسية، و تهيُّؤ بيئة الحد الأدنى من الاستقرار، أو ربما ينتظر اكتمال العمليات العسكرية في دارفور، آخر معاقل تمرد مليشيا الدعم السريع. غير أن هذا التريث، و إن بدأ مفهوماً في سياق الحرب، يثير تساؤلات مشروعة حول تأخر حسم عدد من الملفات الحيوية، لا سيما ما يتصل بعودة الحياة المدنية و إعادة الإعمار و استئناف النشاط المؤسسي للدولة، في وقت تتزاحم فيه أولويات المواطن السوداني و تزداد وطأة التحديات.

الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة في هذا التوقيت قد يُعدّ من باب “فن الممكن” في إدارة الأزمة، و مؤشر على استعادة الدولة لعافيتها المؤسسية، إلا أن الواقع يؤكد أن ما حدث مؤخرًا هو سلسلة إقالات دون إعلان تعيينات بديلة و هذا في حد ذاته يفتح باب التأويل هل تمهّد هذه الإقالات لإعلان وشيك لحكومة كاملة، أم أنها مجرد استمرار لسياسة الترقيع عبر الإحلال الجزئي؟ سؤال تفرضه اللحظة وتفتضيه مكاشفة الرأي العام.

فقد كشفت مصادر لمنصة “المحقق” عن إعفاء سبعة وزراء مكلفين، من بينهم وزيري الشؤون الدينية و الخارجية، في خطوة وُصفت بأنها “إعادة تقييم” لأداء مرحلة التكليف. غير أن غياب الإعلان عن البدلاء يُشير إلى غموض في الرؤية، أو إلى نية ضمنية لإعادة ترتيب أوسع قادم، خاصة إذا ما وُضعت هذه الخطوة في سياق التحولات العسكرية على الأرض و التحركات الإقليمية الحذرة تجاه مستقبل السلطة في السودان.

الوزير الدكتور علي يوسف، الذي جاء من خلفية دبلوماسية رصينة، غادر موقعه بهدوء بعد أداء مميز رغم الإعياء، الرجل حقق اختراقا ملحوظاً في عدد من الملفات لكن دائمًا ما كان يبدو مرهقًا ، لكنه اصطدم بمعادلة التكنوقراط و السياسة، حيث بدأ معزولًا عن مركز القرار السيادي، و قلّ ظهوره في محطات الفعل الخارجي في مرحلة تتطلب تواصلًا مباشرًا مع القيادة و  مواكبة دقيقة لرهانات الانتقال.

وفي المقابل، وجد الدكتور عمر بخيت الأكاديمي، وزير الشؤون الدينية، نفسه في مرمى استقطاب اجتماعي و سياسي حاد، أضعف تجربته، و فتح الباب أمام إنهاء تكليفه دون ضجيج بالرغم من أن المرحلة القادمة تمثل أهمية خاصة بالنظر إلى ترتيبات إجراءات “الحج” الذي يستوجب استقرار الوزارة.

و رغم أهمية إعادة التقييم، إلا أن الاكتفاء بالإعفاء دون تعيين، يضع البلاد أمام سيناريوهين محتملين: إما أن القيادة تُمهّد لتشكيل حكومة كاملة بعد تعيين رئيس وزراء جديد، في خطوة ستُحدث فارقًا نوعيًا في مشهد الانتقال و تؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار، أو أنها تواصل سياسة الإحلال المحدود بما لا يحقق اختراقًا حقيقيًا في ملفات التعافي.

و هنا يبرز سؤال جوهري: أي الخيارين أفضل في خدمة الاستقرار السياسي و الإداري؟ الترقيع عبر تعيينات جزئية، أم إعلان رئيس وزراء يتولى تشكيل حكومة متكاملة؟ من منظور مؤسسي، يبدو الخيار الثاني هو الأقرب لمقتضيات المرحلة. إذ لا يمكن بناء استقرار دائم في ظل “تجريب مؤقت” و إبقاء المؤسسات رهينة قرارات فردية أو مواقف ظرفية.

لذلك تعيين رئيس وزراء و بدء مشاورات تشكيل حكومة كاملة، يُعدّ تعبيرًا سياسيًا عن نية الدولة في الانتقال الجاد، كما أنه يمنح الجهاز التنفيذي شرعية أوضح و قدرة على التخطيط الاستراتيجي لا تتوفر في حالة التكليف المتقطع.

لكن في المقابل، قد ترى القيادة السياسية أن تشكيل حكومة شاملة في ظل استمرار العمليات العسكرية يشكل مخاطرة أو عبئًا على مؤسسة الدولة، لذلك تختار المسار الانتقالي البطيء حتى تتضح الرؤية الأمنية و تُستعاد السيطرة الكاملة على العاصمة و الولايات لا سيما ولايات دارفور.

في الحالتين، و بحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة فإن المؤكد أن السودان لا يحتمل رفاهية الانتظار و لا غموض القرار. فالمطلوب في هذا المنعطف هو وضوح الرؤية، و صدق التوجه، و الشجاعة في إعلان المرحلة التالية التي ظل يتطلع لها السودانيون لتحقيق الأمن و الاستقرار حتى لا تظل الدولة أسيرة قرارات مؤقتة أو احتمالات غير داعمة للسلام و إعادة الإعمار، في زمن يحتاج فيه الناس إلى مؤسسات فاعلة و مستقرة و حكومة تنفيذية قادرة علي قيادة البلاد. فلا انتقال دون قيادة و لا مؤسسات دون قرار و لا استقرار دون رؤية. و قد آن للسلطة أن تغادر مربع الترقب إلى ميدان الفعل، فالترقيع لا يصنع انتقالًا.
دمتم بخير و عافية.
السبت19 أبريل 2025 م Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى