مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة… المجد للبنادق.. وليس ل(اللساتك) ..بقلم/ إبراهيم شقلاوي

انتهى عهد المجد للساتك، و لا مجد بعد اليوم إلا للبنادق. هكذا قدّم البرهان جملةً ستبقى – على الأرجح – عنوانًا لمرحلة جديدة من الوعي السياسي و العسكري في السودان، و هي مرحلة يُعاد فيها ضبط المفاهيم، و تحديد من يملك حق تمثيل الشعب، و حماية سيادته، و إعادة بناء الدولة التي كادت أن تضيع جراء التآمر على وحدتها، و الصراع على مواردها و إفساح المجال للأطماع الإقليمية و الدولية بضعف قادتها.

أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، لدى مخاطبته أمس الأول الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الخدمة المدنية على جملة من القضايا المهمة. و أشار إلى أن “المجد للبندقية” ليست مجرد تصدٍّ للنقاشات العامة حول التحولات السياسية في السودان، بل هي تأكيد على أن الثورة التي عُرفت بمرحلة التغيير في عام 2019، قد أدخلت البلاد في أتون من الفوضى و الصراعات الحزبية السياسية.

و رغم الطموحات التي رفعتها تلك الثورة في بداياتها، فإنها قادت البلاد إلى حافة الانهيار، حيث أصبحت رهينة لأطراف محلية و دولية لا ترى في استقرار السودان إلا تهديدًا لمصالحها الاستراتيجية، و كانت هذه الأطراف بمثابة المحرك الرئيس للميليشيات التي أشعلت الحرب في منتصف أبريل من العام 2023. و بينما كانت الفوضى تتسارع، كان الجيش هو آخر خطوط الدفاع التي وقفت في وجه هذا التهديد الكبير، محافظًا على السيادة والأمن الوطني.

الجيش السوداني، الذي تلقّى استفزازات كبيرة بعد سقوط نظام البشير، أصبح اليوم القوة المركزية التي تحمي الدولة من التفكك، إذ كان هو من استعاد السيطرة على الخرطوم وولاية الجزيرة وعدد من المدن السودانية، بعد معارك طاحنة مع ميليشيات الدعم السريع التي كانت تحاول فرض سيطرتها على البلاد. هنا تكمن أهمية حديث البرهان عن البندقية، التي أعادت الأمور إلى نصابها، بعد أن كانت قد تزعزعت بفعل الحرب الداخلية و الخراب الذي أحدثته المليشيا.

و رغم ما يُثار عن أدوار لعدد من السياسيين في إدارة المشهد – “الكيزان”، كما يشير البرهان في خطابه – إلا أن تصريحاته التي أكدت أن الجيش “لا يعرف التحزب أو الانتماءات الضيقة”، تسلط الضوء على وحدة القوات المسلحة السودانية التي تقاتل من أجل السودان، بعيدًا عن الانتماءات السياسية أو الإثنية. و هذه نقطة أساسية في حديث البرهان؛ حيث تواصل القوات المسلحة تمسكها بقيم الوطن و المواطنة بعيدًا عن الولاءات الحزبية.

في إشارة أخرى، يأتي تصريح البرهان حول ضرورة “مراجعة قوانين الخدمة المدنية” ليتماهى مع الرؤية الشاملة التي طرحها في خطابه، حيث يرى أن المرحلة القادمة تتطلب إجراء إصلاحات مؤسسية جذرية تساهم في استقرار البلاد. و قد وصف التعيينات العشوائية في المؤسسات الحكومية بأنها “ترضيات للأقارب”، و هو ما يعكس الضعف الذي شاب مرحلة ما بعد الثورة، التي بدلًا من أن تقود البلاد نحو الاستقرار، عادت بها إلى التفكك بسبب غياب الحوكمة الرشيدة.

في ظل هذه التحولات ، يظل السؤال الأهم: هل يمكن للبندقية أن تصنع مجدًا حقيقيًا يعيد بناء السودان؟ على الرغم من المخاوف من التحول إلى نهج عسكري صرف، إلا أن العديد من التحليلات تشير إلى أن البندقية السودانية، اليوم، هي ما يضمن وحدة السودان و سلامته من الانقسام و الفوضى؛ حيث أصبح الأمن و السلام على رأس أولويات الشعب السوداني، في هذه المرحلة التي تحكمها الوثيقة الدستورية المعدلة لعام 2025، و التي أشارت بوضوح إلى إدارتها بواسطة حكومة تنفيذية من الكفاءات الوطنية المستقلة ، خلال 39 شهرًا، تُحضّر البلاد لانتخابات حقيقية يُترك فيها الخيار للشعب السوداني لاختيار من يحكمه.

لم تكن الإشارات بعيدة عن زيارة القاهرة، حيث التقى البرهان بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وبدأ أن هناك تحولات تسعى لإيجاد مقاربة سياسية ربما تعيد داعمي الميليشيا إلى المشهد. حديث عضو اللجنة الإفريقية في البرلمان المصري، النائبة نيفين حمدي، أشارت – عقب الزيارة – في تصريح لـ”بوابة الأهرام”، إلى وجود طرح مصري متكامل لتسوية الملف السوداني. وربما صفقة، بحسب مراقبين، تم التفاهم حولها ولو بصمت، رغم المواقف المصرية الداعمة لوحدة مؤسسات الدولة السودانية و لأهمية استعادة الأمن و السلام للسودانيين.

في هذا السياق، بدأ خطاب البرهان بمثابة ردٍّ غير مباشر على هذه الطروحات، يحمل إشارات ذكية في اتجاهات متعددة، و يوضح أن الخرطوم الرسمية لن تتعاطى مع أي مبادرات تتجاوز تضحيات الجيش و الشعب أو تحاول إعادة تدوير الفوضى تحت مسمّى التسوية.

هذا، و بحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، يمكننا القول إن حديث البرهان لم يكن مجرد تقريعٍ لمرحلة، بل إعلانُ نهاية لزمنٍ لم يُنتج إلا الخراب و الحرب، و بدايةٌ لمرحلة سيبنيها الفاعلون الحقيقيون، أولئك الذين لم يتخلّوا عن مواقعهم حين انهارت الجبهات، و لم يستبدلوا البندقية باللافتات الكذوب، و لم يبيعوا سيادة البلاد في سوق الاصطفافات الدولية الخائنة للعهود. فالسودان الجديد، المجد فيه للبنادق التي حرّرت، لا ل(اللساتك) التي خانت.

دمتم بخير و عافية.
الخميس 1 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى