
يعيش السودان مرحلة فارقة في تاريخه المعاصر، تتطلب من قياداته و مؤسساته الرسمية تفعيل أدوات السياسة الخارجية بفعالية أكبر، لمواجهة ما يُعتبر عدوانًا سافرًا من دولة الإمارات على سيادته و وحدة أراضيه، وفقًا لما أعلنه مجلس الأمن و الدفاع الوطني. في هذا السياق تبرز الحاجة الملحة لإطلاق حملة دبلوماسية و إعلامية و اجتماعية شاملة، تهدف إلى كشف الدور الإماراتي في تأجيج الصراع من خلال الدعم العسكري و اللوجستي لمليشيات متمردة ارتكبت جرائم حرب موثقة ضد المدنيين و دمرت البنية التحتية الحيوية في عدد من المدن السودانية.
إن وزارة الخارجية السودانية، عبر سفرائها و مبعوثيها، مطالبة اليوم بالتوجه العاجل إلى العواصم الإقليمية و الدولية، لإعداد ملف موثق حول هذا العدوان، و زيادة اللقاءات مع وسائل الإعلام العالمية لتوضيح أبعاده بالكامل، و كشف الانتهاكات التي تمت بدعم إماراتي مباشر سواء عبر الطائرات المسيّرة أو الإمدادات العسكرية.
كما أن المجلس السيادي و كبار المسؤولين في الدولة مطالبون بتنظيم جولات خارجية مدروسة، تشمل الدول ذات التأثير في صناعة القرار الدولي، من أجل حشد التأييد لقضية السودان و بناء جبهة دبلوماسية لوقف هذا التدخل السافر.
بالإضافة إلى المسار الثنائي، فإن تفعيل المنابر الإقليمية و الدولية أصبح ضرورة قصوى، بدءًا بالدعوة لاجتماع طارئ لمجلس الأمن و جامعة الدول العربية، بحيث يُدرج بند العدوان الإماراتي على جدول أعمال الاجتماع المرتقب في مايو الجاري في العراق. و يجب التنسيق أيضًا لعقد قمة في منظمة التعاون الإسلامي، فضلًا عن مخاطبة الاتحاد الأفريقي، و الأمم المتحدة و كافة المنابر الدولية، بهدف تشكيل رواية سودانية موحدة تجد القبول و الدعم في المحافل الدولية.
تكمن خطورة العدوان الإماراتي في كونه لا يقتصر على دعم مليشيا الدعم السريع، بل يشمل أيضًا ممارسة مباشرة لإرهاب الدولة عبر قصف المدنيين و البنية التحتية في بورتسودان، و هو سلوك يتماشى مع أنماط الحروب غير المشروعة التي يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني. إن استمرار الصمت الدولي أو الحياد السلبي إزاء هذا العدوان يُعد مشاركة ضمنية في تعقيد الأزمة السودانية وإطالة أمد معاناة شعبنا.
في هذا السياق، تبرز أيضًا أهمية التحرك على مستوى إدانة مليشيا الدعم السريع، التي أثبتت الأحداث أنها الذراع المنفذة لهذا العدوان بالوكالة و المدعومة إقليميًا. لم تعد المليشيا مجرد قوة متمردة، بل تحولت إلى تنظيم يمارس جرائم إرهابية ضد المدنيين بشكل منظم، مستهدفة البنية التحتية مثل محطات الكهرباء، و المستشفيات و مخازن الوقود، باستخدام أسلحة متطورة مثل الطائرات المسيّرة الانتحارية.
هذه الانتهاكات الجسيمة تستوجب تحركًا حاسمًا لتصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية، بما يترتب عليه من تجميد أصولها، و ملاحقة قادتها و وقف الإمدادات التي تتلقاها من داعميها الإقليميين، و على رأسهم دولة الإمارات، كما كشفت تقارير من منظمات دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” في تقرير صدر في فبراير 2025، و تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة في مارس 2025، إضافة إلى تقارير من منظمات حقوقية و صحف أمريكية وبريطانية موثوقة مثل “الغارديان” و “نيويورك تايمز” أبريل 2025.
إن توثيق هذه الجرائم و تقديم الأدلة إلى المحافل الدولية، مثل صور الأقمار الصناعية، و تقارير منظمات حقوق الإنسان و شهادات الضحايا، هو المفتاح للحصول على إدانة دولية واضحة، لا للمليشيا فقط، بل للجهات التي تموّلها و تسلّحها. كما يجب أن يترافق هذا الجهد الرسمي بتحرك شعبي و مدني عابر للحدود، تنفّذه الجاليات السودانية و الناشطون الحقوقيون داخل و خارج البلاد، لتحريك الرأي العام العالمي و دفعه نحو محاسبة هذه المليشيا و داعميها.
على الصعيد الداخلي، تمثل وحدة الجبهة الوطنية حجر الأساس لأي تحرك ناجح. على القوى السياسية و المدنية أن ترتقي إلى مستوى التحدي، و تتجاوز الخلافات الصفرية و تتمسك بدورها في حماية الوطن. كما يجب أن يكون الانخراط الفعّال من القوى السياسية التي وقفت منذ البداية إلى جانب القوات المسلحة، و ساهمت في تعبئة الشارع السوداني، مدخلًا لتقود دبلوماسية شعبية، و تبدأ تحركات إقليمية و دولية.
المرحلة الحالية تتطلب شجاعة في اتخاذ القرارات، و مرونة في التواصل و اتساعًا في أفق التحالفات. يجب تجاوز الخلافات الداخلية، و إيجاد الحافز لإطلاق حوار وطني سوداني–سوداني شامل، يعيد ترتيب الأولويات و يركز على المصلحة الوطنية العليا في مواجهة عدوان خارجي خطير يهدد سيادة الدولة و بنيتها الاجتماعية والسياسية.
هذا، و بحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن العدوان الإماراتي المباشر على السودان يمثل تحولًا خطيرًا في مسار الحرب، و يستدعي ردًا دبلوماسيًا و إعلاميًا متكاملًا، يحشد الرأي العام العالمي و يعيد التوازن إلى المشهد الإقليمي الذي تأثر بفعل النفوذ المالي الإماراتي. لقد حان الوقت لكي يقول السودان كلمته، موحدة، قوية و مدعومة بإرادة وطنية صادقة تبدأ في رسم ملامح مستقبل السودان و السودانيين.
دمتم بخير و عافية.
الجمعة 9 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com