تأتي زيارة الرئيس السوداني عبدالفتاح البرهان إلى جمهورية الصين الشعبية التي بدأت أمس للمشاركة في قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي كواحدة من أهم الزيارات في هذا التوقيت الذي يبحث فيه السودان عن الأصدقاء الحقيقيين فقد ظلت الصين تمثل الشريك الاقتصادي الاستراتيجي الأول للسودان خلال السنوات الماضية، كما ظلت حاضرة في دعم جميع الملفات الاقتصادية و التنموية و الدبلوماسية، كما نعلم أن الصين تحترم سيادة الدول و لا تدخل في شئونها الداخلية و تعتمد نظام الاقتصاد التشاركي الذي يمكّن الدول من النهوض دون قيود أو إملاءات حيث ظلت تنظر للسودان واحداً من أبرز الدول الإفريقية الواعدة استثمارياً لما لديه من فرص جاذبة في قطاعات اقتصادية هامة، مثل الطاقة و النفط، و الثروة الحيوانية، و الزراعية و السدود، فضلاً على أنه يُعدّ مدخلًا مهما لإفريقيا، إضافة إلى أن السودان يعد سوقاً كبيراً للسلع الصينية، هذا بجانب تجذّر العلاقات الدبلوماسية و الشعبية انطلاقا من مقاربة استعمارية تاريخية بين البلدين؛ حيث أن (غردون باشا) قد مثّل وجه الاستعمار في الصين قبل السودان، ومارس صنوف من الصلف و الاستكبار، حيث كانت نهاية استعلائه في السودان على يد الثورة المهدية.
مثلت تلك الوشائج صداقة قديمة حيث شهد العام (1959م) أول نشوء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أيضاً الصين قدمت لأجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السودان عدداً من المشاريع التنموية الفاعلة، وساهمت في نهضة السودان الحديثة في ظل العقوبات الاقتصادية الآحادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على السودان خلال ثلاثين عام الماضية التي مثلت حكم الرئيس البشير.
كانت الصين شريكاً حاضراً إلى جانب الشعب السوداني من خلال مشروعات الطاقة و النفط والبنية التحتية، جميعنا يعرف مساهمتها في تشييد منظومة السدود السودانية؛ سد مروي، و تعلية سد (الروصيرص)، و مجمع سدي أعالى عطبرة و (سيتيت)، و المطارات، و الجسور، و المدن السكنية و خطوط الكهرباء… هذا بجانب مشروعات حصاد المياه حيث وصلت العلاقات إلى ذروتها في تبادل المنافع بين البلدين إلى أن أعلن عن شراكة استراتيجية دخلت بموجبها العلاقات الثنائية مرحلة تاريخية جديدة.
یمكن القول أن العلاقات الإقتصادیة بین السودان والصین تعتبر أحد النماذج الإیجابیة للتعاون الاقتصادي الدولي حیث تتوافر لدى البلدين مقومات الشراكة الفاعلة المنتجة، فالسودان من خلال موقعه الجيوسياسي المطل على البحر الأحمر والذي يمثل قلب أفريقيا غني بالموارد الاقتصادية المميزة و الصین تحتاج إلى هذه الموارد لدفع عجلة اقتصادها المتسارع في النمو و التطور، كذلك يعتبر السودان من أوائل الدول التي استجابت لمبادرة الحزام و الطريق الصينية التي تمثل استراتيجية الاقتصادية للتنمية الوطنية الصينية التي تهدف إلى ربط الصين بالأسواق العالمية حيث الموارد و الأسواق والاستثمار في البنية التحتية، و السكة حديد، و الطاقة و التعاون الاقتصادي. كذلك تعمل المبادرة على تقوية الروابط الشعبية بين الصين ودول العالم لا سيّما أفريقيا و منطقة الشرق الأوسط، لذلك لابد من العمل على الاستفادة من هذه الزيارة التي يقوم بها الرئيس البرهان و طاقمه الوزاري في تنشيط برتكولات التعاون المشترك في الجوانب الاقتصادية والتجارية والجوانب المتعلقة بالبنية التحتية، و إعادة البناء، و المشروعات الاستراتيجية في جانب التعدين، و المياه، و الزراعة، و الثروة الحيوانية و الطاقة.
ربما ينظر البعض أيضاً إلى هذه الزيارة من جوانب متعلقة بالإمداد العسكري و التعاون الأمني في ظل الحرب التي يخوضها السودان منذ العام الماضي ضد القوات المتمردة المدعومة إقليمياً و دولياً، فلا بُد أن يتجه السودان لتعزيز قدراته العسكرية على كافة الأصعدة حتى يتمكن من حسم الحرب سريعاً و يتجه إلى إعادة الأعمار والبناء.
لكن يظل وجه الحقيقة في أهمية تعزيز الشراكة الاقتصادية و كافة الشراكات الاستراتيجية مع هذا البلد الذي يحترم سيادة الدول و لا يتدخل في شؤونها الداخلية، و يعمل على تبادل المنافع بما يحقق الأمن و السلام و رفاهية الإنسان. لذلك زيارة الصين تظل خطوة في الاتجاه الصحيح أرجو أن يتم استثمارها كما يجب لصالح الشعب السوداني الذي يتطلع إلى الاستقرار و الأمن والتطور الاقتصادي.
دمتم بخير وعافية..
الأربعاء 4 سبتمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com