وجه الحقيقة… مأساة (سعدية بت الأمين) و (الجاك ود الحسين) … بقلم/ إبراهيم شقلاوي
هذه القصة المفجعة أنقلها لكم مع الاحتفاظ بالأسماء الحقيقية لأبطالها، حتي تكون رسالة للعالم المتماهي مع الظلم و الانتهاكات التي تجري في بلادنا، و الذي ما يزال يوصف حربنا أنها بين جنرالين، و لؤلائك الذين ما يزالون يقفون في المنطقة الرمادية دون وعي، وللذين يشكلون الغطاء السياسي والإعلامي للمليشيا بعد أن وقعوا معها تلك الوثيقة البالية والتعهدات المخزية في فبراير من هذا العام في أديس أبابا و سموها بإعلان المبادي تلك المبادئ التي لا يلتزم بها أحد ولايعرف كيف تُصان “عن اي مبادي تتحدثون؟! “.
إن مأساة (سعدية بنت الأمين و الجاك ود الحسين) ليست سوى قصة مؤلمة لعائلة سودانية ضمن مئات القصص لعوائل تعاني من ويلات الحرب والظروف الصعبة التي أجبرتها على النزوح والفرار بحثاً عن الأمان. تسلط هذه القصة الضوء علي معاناة هذه العائلة التي تعرضت لإصابة أطفالها الثلاث بنيران المليشيا بينما كانوا يحاولون الفرار للنجاة بأنفسهم حتي نعلم حجم المأساة و الكارثة الانسانية التي حلت بهم.
بدموع تنهمر من عينيها تروي (سعدية) تفاصيل مأساتها حيث عاشت لحظات عميقة من الألم بأحدي قري مدينة (الهلالية)، أثناء محاولتهم الهروب هي و زوجها (ود الحسين) و أطفالهما فروا من جحيم الحرب التي نزلت عليهم بغتة، بعد انحياز القائد كيكل للجيش السوداني وتخليه عن قيادة المليشيا ليجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة ظروف أمنية و إنسانية كارثية تهدد حياتهم.
كانوا يستعدون لاستقبال مولود جديد، و قد أعدوا جميع المستلزمات التي تجهزها الأسرة السودانية لاستقبال المولود، و التي أصبحت جميعها غنيمة سائغة (للغنامة)و (الشفشافة) من أفراد المليشيا لم يتركوا لهم حتي ملابس الطفل المنتظر أو ما كانت تعده سعدية من عطور لزينتها كما تفعل النساء، فضلاً عن الذهب و الملابس رغم ذلك لم يجد ودالحسين ما يفدي به أسرته للسماح لها بالخروج من منزلهم سوى تلك العربة التي تعود لشقيقيه، و التي كانت موجودة في بيته منذ سنوات متمسكاً بالاعتقاد أن مدينة الهلالية بولاية الجزيرة مكانا امناً.
خرج الجاك ود الحسين مكسور القلب مع أسرته بعد أن فقدوا كل ما كانوا يملكون. حمل طفليه أسامة المصاب، الذي يبلغ من العمر عامين، و (راوية)،ذات الأربعة أعوام التي فقدت إحدي عينيها، على كتفيه، بينما ترك محمود ذو السبعة أعوام يعتصر ألم المسير، يمضي على قدميه غير مكترث بالأشواك و الأحجار التي كانت تؤلمه. كانت سعدية تحمل في أحشائها تلك الطفلة التي كشف الطبيب عن هويتها و بشرهم بها، كانت في الأشهر الأخيرة من الحمل بحسب روايتها. كانت و هي تحكي عن مأساتها، تخرج الكلمات من بين أنفاسها المتعبة في عناء كما لو كانت تحاول سحب سفينة عملاقة من أعماق البحر خلف تلك الكلمات كانت تعتصر الألم و تخفي الحزن العميق.
تسالت كيف لها أن تغادر بيتها و موطنها في الهلالية تبكي و هي تتذكر كيف تركت جيرانها الذين أحبتهم منذ أن جاءات عروساً الي تلك البلدة، لم تجد منهم احد يواسي حزنها أو يضمد جراحها لأن الجميع مضي جرياً خائفاً من المليشيا أو قُتل علي يد (شفشافتها و غنامتها) و منهم من نجا بعد معاناة.
توجهت سعدية مع عائلتها إلى ولاية القضارف بعد صعوبة الطريق و مشقته، كانت تأمل بالعثور على أمان و حياة أفضل، لكن للأسف الأمور لم تسر كما كانت تأمل، فقد واجهتها الحروب و المعاناة التي أضرت بأطفالها و أجبرتها على مواجهة العديد من المصاعب تذكرت (بنت الأمين) أن كل هذه المعاناة التي تعيشها و أسرتها حدثت بعدما سيطرت القوات المتمردة على ود مدني، عاصمة الولاية، في منتصف ديسمبر الماضي فاضطروا للتعايش أول الأمر فقد كان القائد (كيكل) يوفر لهم بعض الحماية.
و بعدما نزحت مع عائلتها إلى ولاية القضارف في شرق البلاد، كانوا يخططون للانتقال إلى ولاية نهر النيل، حيث تقيم عشيرتها. تقول إنها قررت ذلك مع زوجها ود الحسين الذي كان يستمع الي سردها المفجع في الم بالغ وحزن عميق وهو يغالب دموعه المحتشدة في كبرياء حتي لا تراها عائلته قال: لي” لو لم اكن مصابا بالسكري لكنت الان مع المجاهدين لأثئر لكل هذه الانتهاكات التي تعرضنا لها”.
بعد أن قضت سعدية أسبوعين أو يزيد في القضارف، في ظل تهديد القوات المتمردة باجتياح المدينة و تدهور الأوضاع الاقتصادية و ارتفاع أسعار السلع و إيجارات المنازل، كانوا يستعدون للتوجه إلى ولاية نهر النيل. لكن لسوء حظهم، لم يستطيعوا، فقد فاجأها ألم المخاض الذي أفقدها طفلتها المنتظرة، أريج، كما كانت تنوي تسميتها. لم تجد من يواسيها في آلامها وفجيعتها غير زوجها و أطفالها و تلك المرأة التي كانوا ينادونها (حبوبة سارة) كانت جارتهم في المكان.
بالرغم من كل تلك المحن التي عاشتها سعدية و عائلتها، إلا أنها لم تفقد الأمل و الإيمان بأن يأتي يوم أفضل حين ينتصر الجيش في هذه الحرب الوجودية، ويستعيد الأمن و السلام هذا ما قالته لي، فهي تحمل أملاً في أن الظروف ستتحسن و ستجد عائلتها بجانبها بأمان و هدوء. عليه يظل وجه الحقيقة في التأكيد علي إن مأساة سعدية بنت الأمين و الجاك ود الحسين تعد عبرة لنا جميعاً على ضرورة التضامن من أجل نصرة بلادنا ودعم جيشنا لطرد المليشيا من حياتنا الي الابد و المساعدة في إغاثة العائلات المتضررة من هذه الحرب. فالدين و الإنسانية تتطلب منا أن نكون دعماً لبعضنا البعض في اللحظات الصعبة و نعمل معاً من أجل بناء بلد آمن مطمئن بجهد الجميع.
دمتم بخير وعافية.
الجمعة 15 نوفمبر 2024م. Shglawi55@gmail.com