قال المبعوث الأمريكي الخاص للسودان (توم بيرييلو): “لدينا تواصل غير مباشر مع قيادة الجيش السوداني عبر الوسطاء المصريين والسعوديين”، هذا الحديث للجزيرة الإخبارية يجعلنا نمضي في إتجاه أن هناك ثمّة أمل مرجو في تطور الوضع التفاوضي الذي تسعى أطراف الوساطة الأمريكية السعودية إلى الوصول به إلى وقف الحرب وتحقيق السلام الشامل في السودان، فكثير ممن يعلمون طبيعة التفاوض في وقف الحروب يعلمون تعقيداتها وصعوبتها. لذلك كثير من كواليس التفاوض أو نتائج الاتصالات التي تجري لا تكون للنشر وذلك للمحافظة على سير العملية وحمايتها من التأثيرات الخارجية أو الداخلية على حد سواء و هذا ما دعا الوسطاء إلى نقل مفاوضات سويسرا التي بدأت في (14) أغسطس الجاري إلى مكان بعيد مجهول حتى على أهل الإعلام، حيث ضُرب سياج من السرية على سير العملية التي تقاطعها الحكومة السودانية بعد أن أعلنت أسبابها و التي ربطتها بالالتزام بتنفيذ اتفاق جدة للترتيبات الأمنية والعمليات الإنسانية الموقّع في مايو من العام الماضي.
بالأمس وفي تطور مفاجئ جاء حديث الرئيس عبد الفتاح البرهان للوفد الصحفى السوداني المصري الزائر كشف تفاصيل جديدة ومثيرة للاهتمام أوضح خلالها أن السودان قدّم مقترح شامل و رؤية تنفيذية (خارطة طريق) بشأن إتفاق جدة الموقع في (11) مايو من العام الماضي، و تم تحديد برنامج محدد بجدول زمني تم تسليمه لوزير الخارجية السعودي الأمير (فيصل بن فرحان) والمبعوث الأمريكي الخاص بالسودان (توم بيرييلو)، و الذي يتضمن خروج قوات الدعم السريع من الأعيان المدنية، وبيوت المواطنين، بل من العاصمة الخرطوم بكاملها بالإضافة إلى مدن إقليم دارفور و ولاية الجزيرة.
كذلك كشف عن اقتراح الحكومة السودانية لآلية المراقبة لتنفيذ إتفاق جدة و التي تتألف من عدد من دول الجوار، كذلك أوضح أن التمرد اعترض على وجود بعض الدول مثل مصر وجنوب السودان، كذلك قال الرئيس البرهان حددنا أعداد القوات ومناطق انتشارها، كما أكد تمسك حكومته بأهمية تنفيذ الإتفاق و بعدم الذهاب إلى مفاوضات جديدة دون الالتزام بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه. حديث البرهان هذا يستوجب الوقوف عنده كثيراً الرجل يشير ضمنيا إلى أن هناك شوطاً واسعاً تم قطعه خلال عمليات التفاوض السابقة التي جرت من قبل وصلوا فيها إلى مرحلة تحديد عدد القوات المنسحبة من أماكن تواجدها، و جرى خلاف حول الدول التي تراقب ذلك واعترض التمرد على وجود مصر وجنوب السودان، هذا يؤكد أن الاتفاق قطع أشواطاً مقدّرة.
أيضاً سبق أن أوردنا في مقال سابق حسب مصادر تم اعداد معسكرات في دولة جنوب السودان لتجميع هذه القوات وأنه طلب تسمية خبراء من الطرفين بصفاتهم العسكرية والقانونية و الإنسانية المتعلقة بالمسارات الآمنة. علي أية حال مازال لدينا هذا الأسبوع ربما نشهد خلاله تطورات مفاجئة تدفع بالعملية السلمية إلى الإمام وفقاً لشروط الحكومة السودانية وقيادة الدولة.
من الواضح أن الاتصالات الهادفة إلى تليين المواقف لم تنقطع بأي من الأطراف خلال الشهور و خلال الأيام الماضية، وهذا في تقديري جيد إذ يمثّل مرحلة متقدمة من التفاهمات التي يمكن التعويل عليها، كذلك ربما تكون هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تمثل مقاربة ذكية بين الرغبة في السلام وتحقيق الأمن عبر تنفيذ اتفاق جدة و بين وجود بعض المراقبين الذين لا يرحب بهم السودان ضمن مائدة التفاوض، كذلك ربما الغياب من مائدة التفاوض تحاشت فيه الحكومة السودانية اعتراف ضمني بالتمرد في حال تمت الاستجابة إلى سويسرا دون تنفيذ خارطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس البرهان و التي سُلّمت للوسطاء، عليه فقد بات من المعلوم أن وجود قوات الدعم السريع المتمردة في الحياة السياسية بالنسبة للسودانيين غير مرحب به تحت أي لافتة أو عنوان بعد تلك الانتهاكات الواسعة التي قاموا بها تجاه المواطنين في جميع المناطق التي دخلوها، و التي تمت إدانتها من عدد من الدول والمنظمات الاقليمية والدولية وقد وصفت أنها ترقى إلى مستوى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.
في جانب آخر يشير إلى التزام تجاه المواطنين وإثبات حسن نوايا بادرت الحكومة السودانية اول أمس باتخاذ قرار فتح معبر (أدري) الحدودي و فوضت جهات الاختصاص بذلك ضمن عدد من المعابر كان قد أعلنت عن فتحها من قبل لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية للمتضررين، وجد القرار ترحيباً واسعاً و إشادة من الوسطاء مما دفعهم إلى إصدار بيان مشترك أشادوا فيه بالخطوة المهمة التي ربطها السودان بثلاثة أشهر تخضع للتقييم والمراجعة. كذلك هذا الإجراء يدعم الإشارة إلى حديث واشنطن أن هدف المناقشات هو توسيع نطاق إيصال المساعدات الإنسانية وإيجاد آلية مراقبة وتدقيق لضمان تطبيق أي اتفاق بين الأطراف الذي تم التأكيد عليه خلال اتصال وزير الخارجية الأمريكية بلينكن مع الرئيس البرهان عقب انطلاق المفاوضات والذي أكد فيه الوزير الإلتزام بتنفيذ اتفاق جدة، لكن الجانب السوداني يشكك في ذلك بسبب نقل المفاوضات من جدة إلى سويسرا، بالرغم من ذلك في تقديري قد قطعت الحكومة السودانية شوطاً واسعاً تجاه العمليات الإنسانية و تنتظر جدية الوسطاء في إلزام التمرد بالترتيبات الأمنية. هذه الإجراءات المتخذة بجانب حديث الرئيس البرهان المتعلق بأهمية الالتزام بتنفيذ اتفاق جدة يمثل وجه الحقيقة التي يجب أن نعلمها جميعاً كما علينا أن نحمل الأطراف على الالتزام بها ودعمها لأجل تحقيق السلام وإعادة الأمن إلى بلادنا، فهناك الكثير الذي يمكن تحقيقه في سويسرا إذا خلصت النوايا واجلت الأجندات وكانت مصلحة الشعب السوداني مقدمة على ما سواها من مصالح.
دمتم بخير وعافية..
الأحد 18 أغسطس 2024 م. Shglawi55@gmail.com