وجه الحقيقة… منظمة حوض النيل هل تهدد أمننا المائي؟! … بقلم إبراهيم شقلاوي
في ظل انشغال السودان بحربه الداخلية يُتوقع إنعقاد اجتماع مهم في أكتوبر القادم يجمع كل دول حوض النيل للتوقيع على إنشاء منظمة حوض النيل التي كان أمر إنشاءها يتوقف على توقيع دولة جنوب السودان على إتفاقية (عنتبي) التي صادقت عليها مؤخراً بصورة مفاجئة في مطلع يونيو الماضي (2024)م، وهي تمثل (إتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل)، و بذلك تكون دولة جنوب السودان قد منحت النصاب القانوني للدول الموقعة على الإتفاقية للدفع بها للمنظمات الإقليمية و الدولية (الأمم المتحدة و الاتحاد الإفريقي) للمصادقة عليها و إجازتها.
حيث تسمح الإتفاقية بخفض حصص السودان ومصر من مياه النيل، و تُقر إنشاء( منظمة حوض النيل) لإعادة تقسيم المياه و إدارتها والإشراف على إستخدامها.
من الواضح أن دولة جنوب السودان ماضية في التوقيع على الاتفاقية الإطارية الشاملة المعروفة اختصاراً ب (CFA) التي تهدف إلى إنشاء ترتيبٍ شامل لإدارة المياه على مستوى حوض النيل بإنشاء منظمة التعاون الدائمة بين دول الحوض التي أقرت قيامها إتفاقية (عنتبي)، و التي قاطعها السودان ومصر في يونيو من العام (2010م)، و جمّدا عضويتهما في المبادرة إعتراضاً على توقيع (6) من دول منابع النيل على إتفاقية الإطار القانوني والمؤسسي و التي تضمنت ثلاثة بنود خلافية رفضها السودان و مصر باعتبارهما دولتا مصب و هي: بند الأمن المائي مقابل عدم الإعتراف بالحصة التاريخية للسودان و مصر في مياه النيل المقدرة ب (18.5)مليار متر مكعب للسودان و (55.5) مليار متر مكعب لمصر مع عدم الإضرار بهما كدولتي مصب، ذلك وفقاً لإتفاقية العام (1959م)، هذا بجانب تطبيق بند الإخطار المسبق بتنفيذ أي مشروعات على النيل، و بند التصويت على القرارات بالإجماع بدلاً من الأغلبية.
كما نعلم في فبراير من العام 1999م تم توقيع اتفاقية مبادرة حوض النيل في تنزانيا بين دول حوض النيل العشرة (السودان، ومصر، و أوغندا، و إثيوبيا، و الكونغو الديمقراطية، و بوروندي، و تنزانيا، ورواندا، و كينيا و إريتريا) بهدف تدعيم أواصر التعاون الإقليمي بين هذه الدول، لكن السودان و مصر لم يصادقا على هذه الإتفاقية حتى الآن، لذلك هذا التوقيع المزمع لقيام المنظمة إن حدث في أكتوبر القادم فهو يجعل قيامها ممكناً لاكتمال النصاب بدولة جنوب السودان بالرغم من أنه يخالف إتفاقية حوض النيل، حيث ظلت إثيوبيا طوال الفترة الماضية تدعو إلى ضرورة الاستخدام العادل والمعقول لموارد مياه النيل، كما ظلت تؤكد أنها ملتزمة بحل الخلافات حول استخدام المياه بالرغم من أن إثيوبيا ظلت لا تفي بتعهداتها خاصة فيما يتعلق بسد النهضة و تتبع سياسة الأمر الواقع، و هذا كان واضحا في الخطوات التي اتبعتها في عمليات الملء السنوية لسد النهضة بالرغم من حرص السودان ومصر على أهمية تكامل الأدوار لتعظيم الفائدة وتبادل المنافع.
لذلك أمر التوقيع على إنشاء المنظمة الآن يتطلب دراسة عاجلة من السودان عبر الجهات المختصة لجميع الآثار المترتبة على ذلك خاصة الآثار السالبة التي ربما تضر بأمننا المائي، كما علينا التحسُّب لأي تطورات محتملة قد تضر بحصتنا المائية التي كفلها لنا الاتفاق بصورة مسبقة قبل قيام المنظمة، لذلك يجب على جهات الاختصاص في وزارة الري السودانية الإسراع في تقديم الدراسات و أوراق العمل البحثية و الإدلاء بدلوهم في الأمر قبل أن يداهمنا الوقت في ظل انشغال البلاد بالحرب الدائرة منذ (15) أبريل من العام الماضي، فقد أوردت مصادر صحفية أنه سيكون هناك إجتماع قمة فى أكتوبر القادم حول إنشاء هذه المنظمة والتي تمثل أهم بنود إتفاقية (عنتبي)، مما يتطلب أن يتبلور قبل ذلك موقف واضح للسودان بصورة تراعي مصالحه في مياه النيل باعتباره دولة مصب و حتى لا نؤخذ على حين غرة مع الظروف الحالية التي تنشغل فيها البلاد بوقف أو حسم الحرب وعودة الحياة المدنية إلى طبيعتها.
في جانب آخر الواضح أن إثيوبيا نجحت في تنفيذ خطتها الخاصة بإنشاء سد النهضة وحشدت مواقف دولية مساندة لها أو متقاربة مع مصالحها داخل القارة الأفريقية وخارجها، لذلك الآن بات الأمر بالنسبة للسودان القبول بهذا الواقع والتعامل معه في جميع الأحوال حتى لا يمضي أمر قيام المنظمة على ذات النسق المتعسف، فيجب على قيادة البلاد الانتباه إلى ذلك من خلال توجيه الجهات المعنية بإعداد الرؤية الاستراتيجية الحاكمة للتعامل مع هذا الواقع الجديد الذي سوف يؤثر -بلا شك- على حصتنا في مياه النيل، وبالتالي ربما يصبح مهددا لأمننا المائي. كما يجب من خلال دراستنا أن نحدد أسباب رفض التوقيع حتى يتم حولها حوار مع الشركاء، كذلك دراسة فرص الاستجابة للتوقيع ومدى تأثر استراتيجيتنا المائية بها، أو التحفظ على بعض البنود و التوافق على أخرى إن كنا نرى ذلك. كما يجب بحث الوضع القانوني للاتفاقيات القائمة بجانب أهمية الالتزام بالإخطار المسبق بمشاريع التنمية المعتمدة على مياه النيل.
عليه فإن هذا وجه الحقيقة الذي يلزمنا بالعمل الفوري والإ عداد الجيد و الجاد للدراسات والاستراتيجيات التي توضح موقف الحكومة السودانية من إنشاء (منظمة حوض النيل) في هذا الاجتماع المهم، والذي ربما يصبح من خلاله أمننا القومي المائي مهدداً إذا لم نتخذ التدابير والتحضيرات اللازمة في ظل هذه الحرب التي تباعدت فيها خطوط للتواصل و الاتصال بين الخبراء المعنيين بأمر المياه في بلادنا و انشغل الناس بالصمود أو النجاة.
دمتم بخير وعافية.
الخميس 22/أغسطس/2024م Shglawi55@gmail.com