ما أثاره السفير الحارث إدريس مندوب السودان الدائم لدى المنظمة الدولية في تقريره الاحترافي الإحصائي حول عمل المنظمات العاملة في مجال الإغاثة خلال ثلاثة أشهر حسب مطلوبات القرار (2736) بتشغيل معبر (أدري) الحدودي مع تشاد ينذر بالخطر و يؤشر إلى إطالة أمد الحرب باسم التدخلات الإنسانية.
ثلاثون شاحنة مرّت بمعبر (أدري) الحدودي على متنها أسلحة متطورة، و مضادات للطائرات، و ذخائر، و مدافع و شاحنات الإغاثة تدخل الجنينة محروسة من المليشيا المتمردة وفرت خط إمداد غير مستتر من الدول الداعمة للتمرد واعادت للاذهان عمليات شريان الحياة الاممية بجنوب السودان قبل الانفصال التي مثلت شريان للغذاء و الإمداد بالسلاح للمتمردين الجنوبيين بحركة قرنق انذاك وامتدت لان تكون الاستراتيجية الثالثة الموجهة من القوى الغربية لفصل جنوب السودان.
السفير الحارث إدريس لم يُخفِ ملاحظة السلطات السودانية دخول آلاف من المرتزقة من أفريقيا و الساحل عبر معبر (أدري) إلى مناطق (هبيلة) و (فوربرنقا) بولاية غرب دارفور للانطلاق منها إلى شن هجمات ضد الجيش السوداني و المواطنين الآمنين و المهجرين من القرى و (الفرقان) بعد أن غادروا المدن التي تسيطر عليها المليشيا المتمردة.
لعل المتتبع لعمل المنظمات الإنسانية في السودان و مناطق النزاعات في أرجاء العالم يتلمّس دورها السالب في اطالة أمد الحروب، لأنها تعمل وفق أجندة الدول المانحة و تمرير سياساتها الإقليمية و الدولية بمناطق النزاعات، الكم الهائل من المنظمات الإنسانية المُدرجة بالسجل الاتحادي و الولائي بمفوضية العون الإنساني البالغ (19) ألف منظمة، منها (3200) منظمة وطنية عاملة لها ارتباطات خارجية، و (120) منظمة أجنبية، منها (81) منظمة ناشطة من (19) دولة منشأ و(13) وكالة أممية عاملة في مجال الحقل الإنساني، بجانب منح (105) تأشيرة دخول للعاملين بعدد من المنظمات الأجنبية الطوعية، و منح (42) تأشيرة دخول عبر وزارة الخارجية لموظفي وكالات الأمم المتحدة و المنظمات الدولية، فضلاً عن منح (134) إذناً بالتحرك لعدد من المنظمات الطوعية إلى مختلف ولايات السودان خلال شهر سبتمبر فقط، يؤكد أن الجهد المبذول ليس بحجم هذا الكم الكبير من المنظمات مما يؤكد أن هناك جهود خفية تقوم بها تلك المنظمات بغير الهدف الإنساني المحدد وفق اتفاقيات حقوق الانسان، و هذا ما أكدته التقارير التي ذكرت أن الفجوة بين واردات المساعدات الإنسانية واحتياجات الاستجابة الإنسانية بلغت في مختلف القطاعات نحو (82%)، مما أدى إلى خروج حوالي (16.3) مليون شخص من دائرة التغطية الإنسانية متعددة القطاعات، حيث أجبرت مليشيا الدعم السريع نحو (6) ملايين من المدنيين إلى النزوح القسري بقوة السلاح بمعدل (78%) منهم القطاعات الهشة كالنساء و الأطفال.
على الحكومة السودانية الاسراع في تشكيل آلية مشتركة لمراقبة المساعدات التي يتم إدخالها بدون معرفة نوعها و طرق توزيعها، و تقييد حركة المنظمات بالدخول و الخروج و استخدام المساعدات الإنسانية للأغراض الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية، و عدم استهداف الإمدادات و المساعدات الإنسانية و وسائل نقلها و العاملين في الحقل الإنساني وضرورة حمايتهم وفقاً للمبدأ (26) من المبادئ التوجيهية الأممية بشأن النزوح، فضلاً عن تقديم المساعدات دون تمييز على أساس “العنصر، النوع، العرق أو الانتماء السياسي و المعتقد الديني”.
إحكام المراقبة الحكومية لعمل المنظمات الانسانية يجب ألا يتوقف على معبر (أدري) الحدودي فحسب، بل يجب أن يشمل كل المطارات و المعابر المُزمع تشغيلها لتسهيل عملية نقل و توصيل الإغاثة الإنسانية إلى المحتاجين لتحجيم الدور القذر الذي تقوم به بعض المنظمات اللا انسانية في تغذية المليشيا المتمردة بالغذاء و السلاح و الاستشارات الاستخبارية.