الخدمات الصحفية و الإعلامية
أخر الأخبار

الوزراء والولاة .. تعديلات “برائحة البارود” .. !!

تحليل إخباري: مركز الخبراء العرب
مقدمة
أغلبية القراءات التي صاحبت الإجراءات الأخيرة الخاصة بالتعديلات للوزراء و الولاة لم تخرج من وصفها كمطلوبات مرحلة اقتضتها ضرورة الإصلاح بالجهاز التنفيذي للدولة لمواكبة متغيرات سودان الحرب و ما بعدها.
و لكن الشاهد في الامر أن هناك استفهامات كثيرة ضجت بها قطاعات الرأي العام السوداني على اختلافها و أغلبها يسيطر عليه السؤال المحوري: ماهي المكاسب اللحظية أو المرجوة التي يجنيها المواطن من هذه التعديلات سيما و أن حالة السيولة السياسية قد ألقت بظلالها مؤخرًا بصورة واضحة و جلية على مجمل أوضاع الولايات خاصة المتأثرة بالتزمات الوزارات الخدمية.
ماهو سقف التطلعات للمواطن في ظل ظروف الحرب و انعكاساتها التي يعيشها السودان؟
هل تدخل التعديلات المذكورة و التي يباشرها مجلس السيادة في إطار “عسكرة الولايات” كحكومة حرب لها مهام محددة تزول بزوال المؤثر؟
عن ماذا يبحث الجهاز التنفيذي للدولة من خلفية إبعاد وزراء بعينهم في هذا التوقيت؟
ماهي دلالات نهاية الحرب و إسقاطاتها على دفتر إنجاز الوزراء لتتم من خلالها عملية ” جرد الحساب” ؟
مركز الخبراء العرب للخدمات الصحفية و دراسات الرأي العام طرح هذه القضية على عضويته بالمنابر و حظيت النقاش حولها بآراء ثرية حملت عدة وجهات نظر مهدت للخروج بحزمة حلول عملت على “تشريح” المشهد برؤية تحليلية اقتربت من هموم المواطن بأفكار إستشرافية هذه خلاصتها:
…….
“الهجرة العكسية”


“فلسفة الحكم و كيفية إدارته تحتاج لتحول حقيقي من دولة مركزية توزع “الفُتات” إلى دولة اتحادية منتجة تشجع على التنافس بين الولايات على الموارد و الابتكار” .
بهذا الرأي ابتدر المستشار القانونى الدكتور على كرم الله مداخلته في الندوة الإسفيرية التي شارك فيها عدد مقدر من الأكاديميين و الباحثين و المتخصصين بالعلوم السياسية. و مضى إلى القول: “على العموم إجراء انتخابات أو استفتاء لرأس الدولة هو الأهم بالنسبة للحكومة المركزية من تعيين الوزراء”.
غير أن هناك عدة آراء تشير إلى أن الحرب التي أدت إلى هجرة المواطنين من ولاية الخرطوم و بعد حواضر المدن الكبرى مثل ودمدنى و غيرها، مما يعنى أن الهجرة أصبحت عكسية حيث قبل الحرب كانت المدن جاذبة بفضل الخدمات و توفر العمل، و الآن شكلت الحرب واقع سهل على الحكومة المركزية أن تجعل من الولايات جاذبة، الشي الذي يحتم على الدولة السعي لتشكيل حكومات الولايات أولًا و تقديم الدعم اللازم لتلك الحكومات.

التمثيل القومي
و يعتقد الاتجاه المساند لهذه الآراء ألا يترك الأمر بالنسبة للحكومة المركزية، و لكن يجب أن يكون فى حدود التمثيل القومى أو السيادى فقط مثل الوزارات ذات التمثيل القومى مثل الدفاع و الخارجية و العدل و غيرها، و أن ينصب جُل الاهتمام للولايات مثل البنية التحتية و المصانع، و الاهتمام بالزراعة و الثروة الحيوانية، و زيادة موارد المالية الولايات وفقًا لمايتوفر فيها من مقومات، على سبيل المثال لا الحصر ولاية القضارف أن تكون بها مصانع للزيوت بالإضافة للمسالخ و غيرها.


و في سياق مقارب يقول الباحث في العلاقات الدولية و السياسة الخارجية ،محمد أحمد أبوبكر، في مداخلته لندوة مركز الخبراء العرب حول التعديلات الوزارية و تغيير الولاة أن هذه القضية تحكمها متغيرات مهمة تمثلت في أن التعديلات الوزارية الأخيرة أحدثت حالة من الارتباك بين الشعب و الجيش. هذه القرارات التي قد تُعتبر “غير شعبية”، و من المرجح تُضعف الحكومة المركزية باعتبار أن مثل هذه الاجراءات قد تعمل على إيجاد أصوات معارضة جديدة ترفع شعارات مناهضة للجيش، و هو الشريك الأساسي في نضال السودانيين ضد من يريدون النَّيل من سيادة السودان. و أضاف قائلًا: “السؤال البدهي هو من المستفيد من هذه القرارات؟ في واقع الأمر، قد يكون هناك قوى تحاول استغلال هذه الأجواء لتوسيع نفوذها على حساب استقرار البلاد. لكن السؤال الحقيقي هنا هو: هل حسابات المواطن السوداني قد دخلت في هذه المعادلة؟”.
القيمة المضافة


الأستاذ بالجامعات السودانية الدكتور محمد حسن فضل الله قدم طرحًا موضوعيًا حول التعديلات الوزراية، و قال إن “قيمتها المضافة” تعتمد على السياق السياسي و الأمني، و الأشخاص الذين يتم تعيينهم و مدى ارتباطهم ببرامج إصلاحية حقيقية. و أن القيمة المتوقعة من التعديلات الوزارية ضرورية لضخ دماء جديدة باعتبارها ستُدخل كوادر جديدة تحمل أفكارًا مختلفة أو طاقة جديدة لتنفيذ السياسات العامة. بالاضافة إلى الاستجابة للضغط الشعبي أو السياسي و الاستجابة لمطالب الشارع أو محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، خاصة في ظل أزمات الحرب، النزوح، و التدهور الاقتصادي. فضلا إصلاح الأداء التنفيذي في حالة إذا تم استبدال وزراء ضعفاء الأداء بآخرين أكثر كفاءة، فقد يسهم ذلك في تحسين تقديم الخدمات أو اتخاذ قرارات أكثر واقعية.
و قال فضل الله: ” التعديلات قد تعني التحضير لمرحلة انتقالية جديدة، و قد تكون التعديلات مؤشرًا على ترتيبات لمرحلة تفاوضية أو انتقالية جديدة، خصوصًا إذا شملت وزارات سيادية لكن بلا شك إذا لم تكن التعديلات مرتبطة برؤية وطنية واضحة وبرنامج عمل معلن، فإن أثرها يبقى شكليًا سيما اذا قائمة على اي،معايير أخرى لا الكفاءة و الوطنية و الاستقلالية كمعايير مهمة فإنها تعيد إنتاج الأزمات بدل حلها”.
الحكومة الانتقالية
يرى الكثير من الخبراء ضرورة الحسم العسكري و تكوين حكومة انتقالية في أسرع وقت حيث نجد أن الساحة السياسية بالسودان تضج بالحديث عن تعيين و ترشيح رئيس مجلس الوزراء للفترة القادمة الذي أقرت به الوثيقة الدستورية بعد تعديلاها للعام 2025م. خلف هذا الرأي جائت مداخلة الباحثة في الشؤون السياسية الدكتورة (نجلاء المكابرابي) التي رأت أن قضية تعيين رئيس الوزراء هي جوهر قضية التعديلات.


و تضيف د. نجلاء: “من الاهمية بمكان الوقوف علي أهم الصفات التي يجب أن يتمتع بها رئيس مجلس الوزراء القادم، لا سيما بعد أصعب التحديات الماثلة للسودان و هي حرب الكرامة أبريل 2023م، و تشمل عدة معايير هامة، أولاً، يجب أن يكون رئيس مجلس الوزراء مستقلًا عن أي حزب أو تنظيم سياسي. ثانيًا، يجب أن يكون لديه الخبرة و الكفاءة في إدارة الشؤون الحكومية. ثالثًا، يجب أن يكون لديه القدرة على تحقيق الاستقرار و التنمية في البلاد بعد الحرب. رابعًا، يجب أن يكون لديه القدرة على التعامل مع التحديات الاقتصادية و الاجتماعية التي تواجه البلاد، و من المهم أيضًا أن يكون رئيس مجلس الوزراء شخصًا يتمتع بشعبية و ثقة بين الشعب السوداني، و أن يكون لديه القدرة على تحقيق التوافق و التعاون بين مختلف القوى السياسية و الاجتماعية في البلاد”.
“إدارة الحكم”
البلاد تحتاج لجراحة عميقة في تهيئة الجو العام للعمل الصحيح المؤسسي لملفات الحكم، من يستوزر على المستوى الاتحادى، و من يحكم و يستوزر على المستوى الولائي بعيدًا عن المحاصصات التى تقيدها الاتفاقيات التى تصب في مصلحة البلاد جمعًا للصف بعيدًا عن التمزق يمكن مراجعتها بتعيين ذوى القدرة على الإدارة و الحكم تحت ظل الحاكم الأقاليم التى شملتها هذه الاتفاقيات.
في هذا الاتجاه يدفع المحاضر و مدرب القدرات (عبدالباسط الدويحي) برأيه الذي يسنده بمنطق أن التقيد بالدستور المتوافق عليه، و إيجاد آلية مراقبة و محاسبة للعمل الادارى و تفعيل الجهات الرقابية ذات الصبغة الأمنية و الإدارية، و تفعيل مبدأ المحاسبة للمتنفذين والمتعدين على الحقوق العامة من مال ومحاباة توظيف مثلا. بالاضافة وضع استراتيجيات تحدد مسار الدولة على المستوى الدولى والاقليمى والداخلى والربط بينهم جميعا وفق القانون و الدستور و النظم الإدارية ليعمل الجميع بتوافق و تناغم.
و يقول الدويحي: “البلاد مليئة بالقدرات و الشخصيات الوطنية التى يمكن أن تخدم و يجب تعيينها و إسنادها كفاءات بعيدًا عن المحاصصات القبلية و الموازنات التى اتضح تمامًا أنها دائمًا ما تعقد العمل العام وتعمل لمصالحها الضيقة بعيدًا عن هم الوطن ..و يضيف فكرة جديدة تتمثل في أهمية الاستفادة من نتائج التحصيل الجامعى لخريجى الجامعات السودانية و حصر المبرزين ذوى المهارات في كافة الضروب و إعادة وزارة العلوم و التقانة لتولى مهام التطوير البحثى الزراعى و الصناعى و الحيوانى و التقنى والادارى تمهيدا لصنع مقدرات إستراتيجية للبلاد و مراقبة أداء الولاة و إجازة مجالس تشريعية مؤقتة (اتحادى و ولائي) للنظر في تشريعات القضايا العالقة و تولي مهامها لحين الوصول للانتخابات التشريعية و البرلمانية و قيادة البلاد.
“السلطة التنفيذية”
منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، تأثرت أجهزة الدولة بشكل مباشر، و تراجعت فعالية السلطة التنفيذية، خاصة على مستوى الولايات. و في هذا السياق، تسعى الحكومة إلى إجراء تعديلات في الطاقم الوزاري و تعيينات الولاة، في محاولة لإعادة ترتيب البيت الداخلي، و فرض الحد الأدنى من الانضباط الإداري و السياسي.
ويرى العديد من المراقبين حسب مداخلاتهم في الندوة ان الملاحظ خلال الفترة الانتقالية منذ 2019 قد شهدت اعتماداً متزايداً على مبدأ الترضيات السياسية في التعيينات، مما أضعف الأداء التنفيذي فيما أدت الحرب إلى انهيار جزئي في الإدارة المحلية و خروج بعض الولايات من نطاق السيطرة الحكومية مما يجعل من الصعوبة بمكان اجراء التعديلات دون استصحاب مطلوبات مهمة تتمثل في إعادة تأسيس الدولة فى ظل فُقدان كثير من المسؤولين الحاليين الفعالية أو التمثيل السياسي الحقيقي.
و أهمية تحسين الأداء التنفيذي خاصة في مجالات الخدمات، الأمن، إدارة النزوح و المساعدات الإنسانية بالإضافة إلى تعزيز السيطرة الإدارية و بسط هيبة وسلطة الدولة في المناطق المستقرة و إظهار حضور حكومي فاعل.
ثمة مداخلات أخرى دعت إلى تحقيق التوازن السياسي و المجتمعي عبر إشراك قوى جديدة و شخصيات مقبولة من المجتمعات المحلية.
و لكن من أبرز التحديات التي تواجه التعديلات الوزارية تكمن في ضعف الموارد المالية التي تجعل مهام الوزراء و الولاة محدودة و مرتبطة بإدارة الأزمات اليومية فقط مع مراعاة الفراغ القانوني الدستوري، فلا يوجد وثيقة دستورية متفق عليها تنظّم شكل الحكم و تحدد صلاحيات الجهات المختلفة إذا وضع في الاعتبار متغير استمرار الحرب قد يجعل التعديلات بلا أثر فعلي في المناطق غير الخاضعة للحكومة خاصة في ولايات دارفور.
“سيناريوهات متوقعة”
ومضت الندوة إلى رسم سيناريوهات المتوقعة شملت السيناريو الإيجابي من خلال تعيين شخصيات تكنوقراط مستقلة و كفؤة، تحدث تحولاً في الأداء الحكومي و تحسن صورة الدولة، و سيناريو سلبي يتمثل فى إعادة تدوير شخصيات حزبية أو تقليدية، مما يزيد السخط الشعبي و سيناريو “معقّد” يرجح تصاعد الانقسام بين سلطات الحكومة المركزية و ظهور حكومات موازية يتم تشكيلها بواسطة مليشيا قوات الدعم السريع أو إدارات محلية غير معترف بها مركزياً.
و أوصت الندوة بوضع معايير لاختيار المسؤولين و ليس فقط على الأسماء.
و متابعة أداء الوزراء والولاة الجدد و توثيق الأثر على الأرض، بالإضافة إلى منح صوت للمجتمعات المحلية حول تقييمهم للتعديلات مع اهمية الربط بين التعديلات و الإصلاح المؤسسي الأوسع الذي يحتاجه السودان في وقت حملت فيه خلاصة التوصيات رؤية مهمة تفيد بأن التعديلات في حد ذاتها ليست كافية لإنقاذ السودان من أزمته المعقدة، لكنها قد تكون مدخلًا نحو استعادة الثقة بين المواطن و الدولة إذا ما أُحسن إدارتها و تم ربطها بإرادة سياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى