مقالات الرأي
أخر الأخبار

مدينة الصناعات الغذائية (الخيارات الإستراتيجية للإنتاج والمناخ الاستثماري) .. بقلم/ أحمد حسن الفادني

مواصلة لسلسلة مقالات المدن الصناعية المتخصصة في السودان و توزيعها الجغرافي حسب الإنتاج النوعي بالوفرة أو المناخ الاستثماري، فإننا اليوم نتحدث عن مدينة الصناعات الغذائية المتكاملة بولاية نهر النيل، إذ في هذا المقال سوف نستعرض ماهية المكان و الميزات في هذه الولاية و مناخها الاستثمار، حيث أن السودان يشهد تحديات اقتصادية و أزمات معيشية، يصبح الاستثمار في الصناعات التحويلية أولوية إستراتيجية لا تحتمل التأجيل، و تأتي من بين تلك الفرص الواعدة إنشاء مدينة الصناعات الغذائية بولاية نهر النيل كخيار عملي يعيد التوازن الجغرافي للاستثمار الصناعي و يحول فائض الإنتاج الزراعي و الحيواني إلى قيمة مضافة حقيقية.
هذا المشروع لا ينظر إليه فقط بوصفه بنية تحتية صناعية، بل كمنصة اقتصادية لانطلاق و تفعيل النمو المتوازن، و تحقيق الأمن الغذائي و توسيع قاعدة الإنتاج و الصادرات غير النفطية، حيث نقدم رؤية تنموية تسد الفجوة بين الريف و الحضر، و بين المركز و الريف، و تفتح أبوابًا جديدة و واسعة أمام الشراكات الذكية بين الدولة و القطاع الخاص المحلي أو الخارجي ومن هذه المعطيات نورد بعض النقاط التي نراها هامه لكيان هذا المقال و تشتمل على الآتي:

أولصا: ولاية نهر النيل كموقع إستراتيجي للصناعة الغذائية: تمتاز ولاية نهر النيل بموقعها الوسيط بين مراكز الإنتاج (الجزيرة، القضارف، النيل الأزرق و الشمالية) و الأسواق الاستهلاكية و الموانئ التصديرية (الخرطوم، بورتسودان). كما تخترقها طرق قومية و سكك حديد و ميناء عطبرة الجاف، و تتوفر بها الطاقة من سد مروي و خطوط الكهرباء القومية، فضلًا عن استقرارها الأمني و الإداري و مناخها المشجع للاستثمار، و تعد الولاية واحدة من أكثر المناطق تأهيلًا من حيث الجاهزية اللوجستية، و البنية الأساسية اللازمة لقيام مجمع صناعي متكامل،كما أن انخفاض تكلفة التشغيل مقارنة بالعاصمة، و سهولة الوصول إلى الموارد الخام يعززان من جاذبية الموقع للمستثمرين المحليين و الدوليين.

ثانيًا: الصناعات الغذائية المقترحة داخل المدينة:
# الصناعات الأساسية:
1. صناعة مركزات العصائر: الاستفادة من الفواكه الموسمية (المانجو، الجوافة، البرتقال و الطماطم)، حيث تساهم في تقليل الفاقد الذي يتجاوز 30% من الإنتاج السنوي بالولاية و الولايات المجاورة الأخرى.
2. صناعة المجففات: تجفيف الخضر والفاكهة مثل (الطماطم، البامية، الموز، الليمون ، البصل ،الثوم ، المانجو) باستخدام تقنيات حديثة تطيل عمر المنتج و تفتح أسواقًا تصديرية جديدة.
3. صناعة الألبان و مشتقاتها: (إنتاج الزبادي، الأجبان، الحليب المجفف و المبستر، الغباشة، المش و السمن الحيواني) حيث تستند إلى موارد الثروة الحيوانية في الولاية و الولايات الأخرى المجاورة و سهل البطانة.
4. صناعة اللحوم المصنعة: (تشمل النقانق، البرغر، اللحوم المعلبة و المجمدة و اللحوم المشفية، الشوربه الجافة … و غيرها) فالسودان من أكبر منتجي اللحوم في أفريقيا و موقع الولاية يؤهلها لذلك .
5. صناعة العصائر والمشروبات الطبيعة والغازية: حيث انتاجها للسوق المحلي وأسواق دول الجوار (تشاد، جنوب السودان، إثيوبيا) من خلال تكملة سلاسل القيمة من مركزات العصائر لانتاج العصائر و المربات الطبيعة و الغازية.
6. صناعة التمور و مشتقاتها: و ربما أن الولاية تتمتع بإنتاج للتمور و قربها من أكبر ولاية منتجه للتمور و هي الولاية الشمالية يمكن إنتاج (تمور معبأة، معجون تمر) و تسويقه محليًا و عالميًا.
7. صناعة البطاطس و مشتقاتها: حيث تقوم ولاية نهر النيل من إنتاج 55 % من إنتاج السودان للحصول البطاطس، و يمكن قيام صناعات مرتبطة بها مثل (إنتاج الشيبس، النشا، المقرمشات، البطاطس النصف مقلية و البطاطس المجمدة ،صناعة الجلكوز) و ربط التصنيع بالزراعة التعاقدية.
8. صناعة التعبئة و التغليف: حيث تعتبر هذه الصناعة مرتبطة بطاقة الصناعات السابقة و لكن يمكن أن يكون لها نشاط آخر استثماري في تغليف البقوليات، الأرز، الصلصات، اللبن المجفف و غيرها من المنتجات الأخرى.

#صناعات إضافية مقترحة:
1. صناعة الزيوت النباتية (من السمسم، الفول السوداني، زهرة الشمس).
2. المعكرونة و البسكويت و المخبوزات الجاهزة.
3. الصلصات و المعلبات الغذائية.
4. صناعة الخميرة و المكعبات الغذائية.
5. صناعة الأعلاف من المخلفات الصناعية.

ثالثًا: مبررات اقتصادية قوية لإنشاء المدينة:
1. وفرة المواد الخام حول المدينة بنسبة تكفل استدامة الإنتاج.
2. تكلفة تشغيل منخفضة مقارنة بالعاصمة، و وفرة في الأيدي العاملة.
3. فرص تشغيل مباشر لأكثر من 5,000 وظيفة إضافة إلى وظائف غير مباشرة.
4. تقليل الواردات من المنتجات الغذائية المصنعة و زيادة التصدير.
5. تحقيق الأمن الغذائي و تعزيز الاكتفاء الذاتي.

رابعا: لمحة عن المدينة:

1. المساحة المقترحة 10 كيلو متر مربع .
2. عدد المصانع عند الاكتمال 120 مصنعا.
3. الطاقة التشغيلية السنوية 300,000 طن من المنتجات.
4. تكلفة البنية التحتية 75 مليون دولار مبدئيا
5. المناطق المخصصة صناعية، لوجستية، إدارية، سكنية مصادر الطاقة كهرباء سد مروي، بدائل الطاقة الشمسية و الحرارية.

خامسًا: تحليل البيئة الاستثمارية:
1. نقاط القوة موقع استراتيجي، توفر المواد الخام، استقرار أمني، دعم حكومي متوقع.
2. نقاط الضعف ضعف التمويل البنكي، محدودية الكفاءات الصناعية، نقص الخدمات المصرفية الحديثة.
3. الفرص السوقية في الإقليم (الكوميسا، أفريكسيم)، ارتفاع الطلب على الغذاء، صادرات موجهة.
4. التهديدات عدم الاستقرار السياسي، ضعف البنية التقنية، التضخم وتذبذب أسعار الصرف.

سادسًا: بيانات داعمة لإنشاء المدينة:
– إنتاج الطماطم يتجاوز 1.2 مليون طن سنويا.
– إنتاج الفاكهة الموسمية يزيد عن 5.5 مليون طن.
– إنتاج الألبان يقدر بـ 2 مليار لتر.
– إنتاج التمور يفوق 450 ألف طن سنويا.
– الهدر بعد الحصاد يصل إلى 30% من الفواكه و الخضر.
– نسبة التصنيع الغذائي لا تتعدى 10% من الإنتاج الزراعي الكلي.

سابعًا: التوصيات العملية:
#توصيات فورية آنية:
1. تشكيل لجنة ولائية عليا لتخطيط وتنفيذ المشروع.
2. تخصيص الأراضي والإعفاءات الجمركية لعشر سنوات.
3. التعاقد مع بيوت خبرة دولية لتخطيط الإنتاج وربط البنى التحتية.
4. إطلاق حملة ترويج استثماري وطنية وخارجية.
#توصيات مستقبلية:
1. إنشاء مركز تدريب وأبحاث للصناعات الغذائية.
2. تطوير سلاسل التوريد من الحقل إلى المصنع.
3. اعتماد الزراعة التعاقدية كمصدر مستقر للمواد الخام.
4. إدخال تقنيات حديثة لتقليل الفاقد و تحسين الجودة.

ثامنًا: الأسواق العالمية المستهدفة: وحجم الطلب العالمي:
يمتلك السودان فرصًا واعدة لاختراق أسواق إقليمية و عالمية متعددة في ظل تنامي الطلب العالمي على المنتجات الغذائية الطبيعية و ارتفاع أسعار الغذاء عالميًا، مما يجعل الصناعات الغذائية السودانية، خصوصًا إذا التزمت بالمعايير الدولية، ذات قدرة تنافسية كبيرة. و تشير التقديرات إلى أن سوق الغذاء في أفريقيا جنوب الصحراء وحده يتجاوز حجمه 313 مليار دولار سنويًا، مع فجوة كبيرة في التصنيع المحلي. كما أن السودان، كعضو في منظمة الكوميسا و اتفاقيات تجارية متعددة يستطيع النفاذ إلى أسواق تشمل:
1. دول الجوار: مثل تشاد، إثيوبيا، جنوب السودان و أفريقيا الوسطى، حيث يعاني أغلبها من فجوات غذائية و يعتمد على الاستيراد.
2. الأسواق العربية: خاصة دول الخليج العربي و مصر التي تستورد كميات ضخمة من الألبان و المعلبات و العصائر و اللحوم.
3. الأسواق الأوروبية و الآسيوية: خاصة للتمور المجففة، المربات، المركزات، و الزيوت الطبيعية، بشرط الالتزام باشتراطات الجودة والتعبئة والتغليف وسلامة الغذاء (مثل مواصفات ISO 22000، و شهادات HACCP، و شهادات المنشأ و الممارسات الزراعية الجيدة GAP).

و رغم أن السودان لا يشغل حتى الآن سوى هامش ضئيل من صادرات الصناعات الغذائية على مستوى القارة، إلا أن ارتفاع الطلب السنوي على اللحوم، الألبان، والزيوت النباتية بأكثر من 5% عالميا، يفتح الباب أمام منتجات سودانية ذات جودة معقولة وسعر تنافسي إذا ما تمت معالجة الفاقد وتحقيق استقرار في الإنتاج.
إن تسويق هذه المنتجات لا يقتصر فقط على الكم والجودة، بل يشترط كذلك تطوير منظومات التتبع، التغليف الاحترافي، شهادات المطابقة، و التحقق من شروط الصحة النباتية والصحة الحيوانية، وهي كلها تحديات قابلة للمعالجة ضمن منظومة المدينة الصناعية المتكاملة، بالشراكة مع منظمات تطوير الصادرات وبرامج التمويل التنموي.

وفي مجمل القول يمكن أن نقول تمثل مدينة الصناعات الغذائية بولاية نهر النيل خطوة استراتيجية نحو بناء اقتصاد سوداني متنوع، منتج، وموجه للصادرات. إنها ليست مجرد منطقة صناعية، بل مشروع نهضوي لإعادة توزيع التنمية، وتحقيق التكامل بين الزراعة والصناعة، وبناء مستقبل غذائي أكثر أمنا واستقلالا، و نجاح هذا المشروع يتطلب إرادة سياسية واعية، وتحفيزات استثمارية ذكية، و إدارة رشيدة. فالفرصة متاحة، و التوقيت مثالي و لا ينقص السودان سوى القرار القوي و الانفتاح الداخلي و الاستفادة من الخبرات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى