مدينة الصناعات الكيميائية في السودان (منظومة إستراتيجية للقيمة المضافة والتحول الصناعي) .. بقلم/ أحمد حسن الفادني .. باحث بمركز الخبراء العرب

يمثل إنشاء مدينة للصناعات الكيميائية في السودان خطوة استراتيجية غير مسبوقة لإعادة تشكيل المشهد الصناعي و الاقتصادي للدولة، وذلك استنادا إلى ما يزخر به السودان من موارد طبيعية خام غير مستغلة بشكل كافي تمتد من المعادن الصناعية إلى النباتات الطبية و العطرية، و من النفط إلى الصمغ العربي و من الملح الصخري إلى الكبريت و الكاولين. في هذا المقال، نستعرض أهمية هذه المدينة في دعم الصناعات المدنية والدفاعية، وتعزيز الإنتاج المحلي و التصدير، و توليد فرص عمل وتحقيق عوائد ضخمة للخزينة العامة للدولة عبر تحليل اقتصادي دقيق و مقترحات عملية.
أولًا: دوافع ومبررات إنشاء مدينة الصناعات الكيميائية:
1. الوفرة في المواد الخام الكيميائية الأولية:
– الملح الصخري و البحري و المتوفر بكميات كبيرة في مناطق مثل بورتسودان و سواكن و شمال كردفان، و يشكل أساسا لصناعة الكلور و الصودا الكاوية.
– الصمغ العربي: يعد قاعدة للعديد من الصناعات الدوائية و التجميلية و المواد اللاصقة.
– الكاولين: متوفر في شمال السودان و ولاية نهر النيل، ويدخل في صناعة السيراميك و المطاط والورق.
– النفط و الغاز: خاصة في مناطق كردفان ودارفور والنيل، ما يفتح المجال لإنتاج البتروكيماويات والوقود الصناعي.
– النباتات الطبية والعطرية: مثل الكركديه، و الحلبة، و العرديب، و السنمكة و القرض وغيرها،مما يمكن من استخراج الزيوت و المركبات الدوائية والعطرية.
2. الحاجة إلى الأمن الصناعي والدفاعي: السودان بحاجة ماسة لصناعات كيميائية تدعم الصناعة العسكرية الوطنية مثل:
– صناعة المتفجرات المدنية والدفاعية.
– صناعة الأصباغ المقاومة والمواد اللاصقة.
– تصنيع البطاريات والمواد المعالجة للمعادن والدروع.
3. تعزيز الصناعات التحويلية: ترتبط الصناعات الكيميائية بسلسلة طويلة من الصناعات التحويلية مثل:
– صناعة البلاستيك والمطاط.
– صناعة المبيدات والأسمدة العضوية والكيميائية.
– صناعة الدهانات والمنظفات.
– الصناعات الدوائية ومستحضرات التجميل.
ثانيًا: حلول الطاقة الداعمة للصناعة الكيميائية:
1. الطاقة الشمسية: السودان يقع ضمن الحزام الشمسي الأعلى إشعاعا عالميا، ويمكن استغلال الطاقة الشمسية لتشغيل وحدات التحليل الكيميائي والعمليات و المبادلات الحرارية.
2. الغاز المصاحب لاستخراج النفط: يهدر في العديد من الحقول، ويمكن توجيهه كمصدر طاقة مباشر لتشغيل المصانع الكيميائية.
3. الوقود الحيوي: من خلال زيوت (الجاتروفا) أو المخلفات الزراعية في الولايات الزراعية.
ثالثًا: مقترح المجمعات الصناعية داخل المدينة:
1. مجمع الصناعات الدوائية والكيمياء العضوية: استخلاص المركبات الفعالة من النباتات الطبية بجانب إنتاج المضادات الحيوية والمطهرات.
3. مجمع الصناعات الدفاعية و المدنية عالية التقنية:
– تصنيع مواد العزل و الطلاء المقاوم.
– إنتاج المتفجرات الصناعية للاستخدامات المدنية و الدفاعية وفق المعايير الدولية.
4. مجمع الصناعات البيئية و المستدامة:
– تدوير النفايات الكيميائية.
– صناعة الأسمدة العضوية والمبيدات البيولوجية و الأسمدة الكيميائية بعد استكمال استكشافات و استخراج الغاز.
5. مجمع الصناعات البلاستيكية و المطاط: إنتاج أنابيب الري، عبوات التغليف، أدوات البناء و للاستخدامات الأخرى المدنية و الدفاعية.
6. مجمع الصناعات البتروكيميائية:إنتاج الإيثيلين، البولي إيثلين، البروبلين و غيرها.
رابعًا: القيمة الاقتصادية المضافة والعائدات المتوقعة:
– الصمغ العربي و إنتاجه يقدر ب 80,000 طن ويصل سعر الطن من 2,000- 6,000 – 9,000 دولار بنسبة زيادة 300% في حالة التصنيع واضافة قيمة مضافة .
– الكاولين يقدر انتاجه 150,000 طن ويصل سعره من 60 – 300 – 600 دولار بنسبة زيادة 500% في حالة اضافة قيمة مضافة بالتصنيع.
– الملح الصناعي يقدر إنتاجه 500,000 طن، ويصل سعره من 20 – 250 – 400 دولار بنسبة زيادة 1000% بعد التصنيع و إضافة قيمة مضافة.
– النفط الخفيف (للبتروكيماويات) أكثر من 40,000 برميل/يوميا بسعر للبرميل 75 دولار ناتج بتروكيماويات بـ400 دولار/برميل بنسبة زيادة 433%
#تقديرات العوائد السنوية المتوقعة للمدينة:
ما لا يقل عن 1.5 – 2 مليار دولار سنويا خلال أول خمس سنوات، مع إمكانية التوسع إلى 4 – 6 مليارات دولار بعد اكتمال البنية التحتية و تكامل الصناعات.
خامسًا: الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والسيادية:
تكثر الفوائد و لكن أهمها في الآتي:
1. هو تقليل الاستيراد بما يزيد عن 1.2 مليار دولار سنويا من مواد كيميائية ومنتجات دوائية وبلاستيكية.
2. رفع الصادرات النوعية من المنتجات الكيميائية ذات القيمة العالية.
3. توفير أكثر من 30,000 وظيفة مباشرة و غير مباشرة.
4. تحقيق السيادة الصناعية في الصناعات الدفاعية والدوائية والغذائية.
5. زيادة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي من 9% إلى 20% خلال 10 سنوات.
و في خاتمة هذا المقال نود أن نرصد بعض التوصيات التنفيذية، بإن إنشاء مدينة الصناعات الكيميائية في السودان لم يعد خيارا ترفيًدا، بل ضرورة اقتصادية وأمنية وتكنولوجية ملحة، تسهم في تحقيق تنمية متوازنة وتحويل السودان من دولة مصدرة للمواد الخام إلى دولة صناعية منتجة لذا نوصي بالآتي:
1. تخصيص أراضي استراتيجية للمدينة في مناطق غنية بالموارد مثل نهر النيل، أو ولاية الجزيرة، أو غرب كردفان.
2. إنشاء شركة أو محفظة استثمارية بإدارة وطنية بالشراكة مع القطاع الخاص المحلية أو الأجنبية والشركات و المؤسسات الحكومية.
3. استقطاب رؤوس أموال عربية و صناديق استثمارية موجهة للصناعات الاستراتيجية.
4. تشجيع البحث العلمي الجامعي والصناعي لإنتاج مركبات كيميائية سودانية الهوية.
5. ربط المدينة بشبكة نقل بري وحديدي و موانئ التصدير.
6. الاستثمار في رأس المال البشرية بتبني خطة لتجهيز خبراء و علماء في المجالات الكيميائية.
(نسأل الله صلاح الحال).