أصل القضية … “الصمغ العربي” من سيف الغضب إلى صفقة السيادة .. بقلم/ محمدأحمد أبوبكر – باحث بمركز الخبراء العرب

في عالم تُرسم حدوده بالمورد، وتُعاد هندسة النفوذ عبر سلاسل الإمداد، لم يعد الصمغ العربي مجرّد سلعة زراعية تقليدية، بل تحوّل إلى شفرة جيوسياسية في قلب الصناعات الحيوية العالمية.
وحين دوّى النداء الشعبي بوقف تصديره للولايات المتحدة، لم يكن ذلك مجرّد موجة غضب، بل لحظة وعي سيادي اكتشف فيها السودان أن بإمكانه أن يتحدث بلغة المورد، لا بلغة الاستجداء.
لكنّ الفرق بين الصوت والسيادة… هو الاستراتيجية.
وهنا يأتي هذا المقال، لا ليغني جوقة الغضب، ولا ليكرر أناشيد العقوبات المتبادلة، بل ليقترح طريقًا ثالثًا:
☆طريق الجسر والمورد… حيث المورد سيادة، والشراكة تفاوض، والدولة لاعب لا منسحب☆
🟠 المحور الأول: المورد ليس أداة عقاب… بل رافعة نفوذ:
●الخطاب الشعبي الغاضب تجاه سياسات واشنطن قد يكون مفهومًا ومشروعًا، لكن لا بد أن نميز بين “المورد السيادي” و”السلاح العقابي”.
●التلويح بوقف صادر الصمغ العربي دون خطة متكاملة يُفقد المورد طاقته التفاوضية. الصمغ العربي ليس قنبلة نرميها غضبًا، بل جسر نمدّه بحكمة نحو شراكات جديدة نُعيد فيها تعريف السيادة السودانية.
●إن إدارة الموارد لا تُبنى على “ردة الفعل”، بل على بناء ميزان مصالح طويل النفس، وعقل استراتيجي بارد، يعرف متى يستخدم المورد كورقة تفاوض، لا كأداة عقاب.
🟠 المحور الثاني: المورد في يد المنتج لا في قبضة الدولة؛
أكثر من 70 ألف مزارع سوداني في كردفان ودارفور والجزيرة يعتمدون على الصمغ العربي كمورد موسمي حيوي.
احتكار الدولة لهذا المورد أو منعه دون بدائل تمويلية تعني تجفيف أرزاقهم وتعطيل دورة الإنتاج في مجتمعات هشة أصلًا.
الحل؟
●إطلاق بورصة سودانية للصمغ العربي تحت إشراف وزارة التجارة، وتنشيط الشراكات التعاقدية، ودعم المنتجين عبر البنك الزراعي بصيغ تمويل ميسرة.
●الدولة يجب أن تتحول من “سلطة مسيطرة” إلى “ممكن استراتيجي”، عبر نموذج PPP (الشراكة بين القطاعين العام والخاص)، وبدعم من نموذج BOT (البناء – التشغيل – النقل).
وهنا يظهر دور شركة زادنا العالمية كشريك وطني أصيل لتمويل الإنتاج، وتحقيق القيمة المضافة، ومسك ملف التصدير بامتيازات وطنية محكمة.
🟠 المحور الثالث: شجرة الهشاب… حين تتجلى السيادة في جذع:
●شجرة الهشاب ليست مجرد مصدر للصمغ… بل رمز للهوية، والصبر، والتاريخ.
●إنها الشجرة التي واجهت الجفاف والصحراء، وظلت شامخة، كما صمد هذا الشعب في وجه الطغيان والحرب.
●في ثقافتنا، ليست “الهشاب” فقط شجرة إنتاج… بل رمز بيئي – ثقافي – اجتماعي.
ولذلك، فإن حمايتها لا يجب أن تكون فقط لغرض التصدير، بل يجب أن تكون جزءًا من السياسات البيئية الوطنية، ومناهج التعليم الزراعي، والذاكرة الإعلامية.
> “شجر الهشاب إن صبر على الطق، سقانا صمغًا… ونحن إذا صبرنا على التخطيط، سقانا المورد عِزًا.”
🟠 المحور الرابع: الدبلوماسية الاقتصادية – المورد لغة تفاوض لا قطيعة:
التلويح بوقف الصادر كأداة عقاب يُعيد السودان إلى منطق “اقتصاد المواجهة”، وهو منطق جرّ عليه عزلة وخسائر.
|هنا يجب تفعيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي بآلية جديدة قوامها “دبلوماسية المورد”، من خلال:
●إدماج الصمغ العربي في الاتفاقات الثنائية.
●التفاوض على عقود طويلة الأجل مشروطة بالنقل التكنولوجي.
إطلاق CODAS كتحالف إقليمي ينطلق من الخرطوم، يجمع دول الإنتاج الأفريقي في كيان تنسيقي يتعامل مع الأسواق العالمية بشروط جماعية.
“CODAS”
> ليست تحالفًا ضد أحد، بل آلية للتمكين الجماعي، تضمن التكامل لا التنافس، وتحوّل السودان إلى مركز توجيه معرفي وتجاري للمنطقة بأسرها.
🟠 المحور الخامس: السيادة العلمية – حان وقت المختبر لا المنبر:
نحن نردد أن “الصمغ العربي لا بديل له”، لكن لم نُحوّل هذه الحقيقة إلى رؤية علمية صناعية.
تجربة الدول مثل بوتسوانا والماس، وتشيلي والنحاس، وإيران والنفط، كلها أثبتت أن السيادة لا تتحقق إلا حين تكتمل “سلسلة القيمة”.
وهنا يأتي دور الجامعات السودانية، خاصة جامعات كردفان، والجزيرة، ونيالا، والخرطوم، عبر:
●تأسيس معهد قومي للصمغ العربي والتقنيات الحيوية.
●دعم أبحاث المشتقات الغذائية والطبية.
●فتح شراكات مع مؤسسات بحثية من آسيا وأمريكا اللاتينية.
> الصمغ العربي يجب أن يُصدر على شكل “علامة سودانية مسجلة”… لا كمادة خام تنهشها الأسواق الوسيطة.
🟠 المحور السادس: السوق العالمي لا يرحم… فلنحترف اللعب:
في الاقتصاد الحديث، المورد لا يكفي أن تملكه… بل يجب أن تُحسن تسويقه.
يمكن للسودان أن يربط صفقاته مع الشركات العالمية الكبرى بشروط واضحة:
•البلد المُنتج
•نسبة تصنيع محلي
•نسبة فائدة مجتمعية
كما يمكن:
إنشاء بورصة قومية للصمغ العربي.
تفعيل قوانين الجودة والشفافية.
وهنا تبرز وزارة التجارة كفاعل رئيسي، بالتنسيق مع وزارة المالية، لسنّ تشريعات تسعير وحماية وترويج، وضمان عدم تهريب المورد أو العبث به في الأسواق الوسيطة.
🟠 المحور السابع: من الواقعية إلى البنائية… المورد كفاعل دولي:
تعزيز موقع الصمغ العربي في السياسة الخارجية لا يتم فقط عبر آليات تنفيذية، بل يتطلب مرجعية فكرية مستمدة من نظريات العلاقات الدولية، التي تمنحنا أدوات لفهم موقع المورد في ميزان القوى العالمي:
◼️ الواقعية (Realism):
الصمغ العربي عنصر في ميزان القوة، يُستخدم كورقة ضغط تفاوضي لا عقوبة متبادلة.
◼️ الليبرالية (Liberalism):
المورد بوابة تعاون دولي، لا قطيعة، وتفعيل CODAS وPPP وBOT يعكس هذا التوجه.
◼️ البنائية (Constructivism):
الصمغ شيفرة ثقافية وسياسية، والهشاب ليس مجرد شجرة، بل ذاكرة وهوية.
◼️ الاعتماد المتبادل (Complex Interdependence):
توظيف المورد في شبكات التبادل الدولي يتيح للسودان إعادة صياغة العلاقات الخارجية لا الانسحاب منها.
🟠 المحور الثامن: مراكز الفكر من التفسير… إلى التأثير
السياسات لا تُبنى في صالات الاجتماعات فقط، بل في مراكز الدراسات والرؤى المستقبلية.
ومن هنا، فإننا ندعو إلى تبنّي رؤية الجسر والمورد كاستراتيجية وطنية شاملة لإدارة موارد السودان، وتوظيفها في الدبلوماسية والعلاقات الدولية، والتنمية الريفية، وإعادة تعريف السيادة في عالم المورد.
وليس من جهة أجدر باحتضان هذه الرؤية من مركز الخبراء العرب، الذي يمكن أن يتحوّل إلى بيت خبرة في دبلوماسية الموارد، يُنتج أوراق التفاوض، ويعيد صياغة دور السودان كفاعل إقليمي صاعد.
📌 أصل القضية: المورد الذي يسكن الجذور… لا تُباع أغصانه بثمن غضب:
الصمغ العربي ليس مجرد مادة تخرج من شجرة… بل سيادة تقطر من جذع.
وإذا كان غضب الشعوب قد فجر الحملة، فإن من واجب الدولة أن تُحوّل هذا الغضب إلى خطة، وهذا المورد إلى نفوذ، وهذه الشجرة إلى وثيقة سيادية في مفاوضات الغد.
من هنا… يبدأ طريق “الجسر والمورد”:
من الغضب الشعبي إلى الاستراتيجية القومية،
من الاحتكار إلى التمكين،
من الغابة إلى الدبلوماسية،
ومن شجرة الهشاب… إلى صفقة السيادة.