مقالات الرأي
أخر الأخبار

زراعة الموالح في السودان (نحو اقتصاد زراعي بستاني ذي قيمة مضافة) .. بقلم/ أحمد حسن الفادني .. باحث بمركز الخبراء العرب

من خلال تطوافنا بين الموضوعات الاقتصادية عبر مقالاتنا المتخصصة التي تحدثت فيها عن المحاصيل النقدية الأساسية في السودان و المعروفة لدى القاصي و الداني و التي تعتبر كميزة تنافسية الاقتصاد السوداني ،ومن هنا أيضا نتحدث عن ميزة أخرى و هي تنوع المناخ و التربة في السودان مما يتيح أن تكون هنالك فرصة للزراعة البستانية وخاصة الموالح التي لا نهتم بها كمورد اقتصادي ،و إنما نعمل على التجارة فيها في السوق الداخلي فقط وفي هذا المقال سوف نستعرض كثير من النقاط المهمة لتنشيط زراعة الموالح كمورد اقتصادي غير منظور و ذلك من خلال النقاط الرئيسية التالية:

أولًا: مناطق زراعة الموالح في السودان:

تمتد زراعة الموالح في السودان على نطاق جغرافي واسع، خاصة في الولايات ذات الموارد المائية المستقرة والتربة المناسبة، و تتمثل أبرز مناطق زراعة الموالح في:
– ولاية نهر النيل: خاصة في مناطق ما بين بربر و شندي حيث تتوفر المياه الجوفية والتربة الرسوبية الخصبة.
– الولاية الشمالية: المناطق حول الدبة ومروي وكريمة، والتي تشهد توسعا في الزراعة البستانية المروية.
– ولاية الجزيرة: مشروع الجزيرة وبعض المناطق حول المناقل توفر بيئة واعدة للزراعة البستانية.
– ولاية النيل الأزرق وكسلا حيث تمتاز بالمناخ الرطب والتربة الخفيفة المناسبة لبعض أصناف الحمضيات.
– إقليم دارفور (نيالا، و الجنينة و جبل مرة) بالرغم من التحديات الأمنية، إلا أن بعض مناطق دارفور تتميز بتربة خفيفة صالحة لزراعة أصناف برتقالية كثيرة.

ثانيًا: مشكلات وتحديات زراعة الموالح:
تعاني زراعة الموالح في السودان من جملة من التحديات الهيكلية والإنتاجية، أهمها:
– ضعف توفر الشتول المعتمدة والجيدة مما يؤدي إلى تدهور الإنتاجية وضعف الجودة.
– مشكلات الري خاصة في مناطق تعتمد على الري التقليدي أو الموسمي.
– غياب التقنيات الحديثة والأساليب البستانية مما يرفع معدلات الفاقد ويضعف القيمة السوقية.
– ضعف سلاسل القيمة والتسويق والتصدير ما يحرم المنتج من الوصول إلى الأسواق العالمية.
– انتشار الأمراض والآفات في ظل ضعف الإرشاد الزراعي و البنية الزراعية الحديثة المستدامة.
– ندرة معامل ما بعد الحصاد ومراكز تجهيز الصادر.

ثالثًا: الأصناف ذات الميزة التنافسية:
بعض أصناف الموالح السودانية تمتاز بجودة عالية في الطعم والنكهة، ويمكن أن تحظى بميزة تنافسية في الأسواق:
– القريب فروت نكهته المميزة ونسبة الحموضة تجعله صالحًا للتصنيع والتصدير.
– البرتقال البلدي: يتميز بحلاوته و قلة البذور.
– الليمون البلدي: مناسب للتصنيع الغذائي وصناعة العصائر.
– اليوسفي: مرغوب للأسواق الخليجية بسبب سهولة تقشيره وطراوته.

رابعًا: الحلول الاستراتيجية لزراعة الموالح:
1. التحول من الزراعة التقليدية إلى الزراعة البستانية الحديثة باستخدام أنظمة ري بالتنقيط، وأساليب تقليم وتسميد موجهة.
2. إنشاء مشاتل وطنية معتمدة لإنتاج شتول محسّنة مقاومة للأمراض.
3. تشجيع الزراعة التعاقدية بين المنتجين والمصانع وشركات التصدير.
4. توفير التمويل الزراعي طويل الأجل لتحفيز الاستثمار في الموالح.

خامسًا: مقترحات لزيادة الإنتاجية:
1. توسيع المساحات المزروعة في المناطق المستقرة مناخيا عبر استخدام الري الحديث.
2. اعتماد تقنيات الزراعة الدقيقة لتحسين توزيع الأسمدة والمياه.
3. إدخال أصناف جديدة عالية الإنتاج ومبكرة النضج.
4. تفعيل دور الإرشاد الزراعي ونقل المعرفة البستانية للمزارعين.
5. تشجيع الشراكات الزراعية بين القطاع الخاص والمزارعين.

سادسًا: القيمة المضافة لمنتجات الموالح:
يمكن تحويل إنتاج الموالح إلى عدة منتجات صناعية تضيف قيمة اقتصادية، من أبرزها:
– العصائر الطبيعية والمصنّعة (برتقال، ليمون، يوسفي، قريب فروت).
– المجففات (شرائح قشور، شرائح فواكه، بودرة فيتامين C).
– المربات و الجيلي والنكهات المستخدمة في الصناعات الغذائية.
– الزيوت العطرية من قشور الحمضيات التي تدخل في صناعة العطور و المنكهات.
– مركزات التصدير، خصوصاً لأسواق أوروبا والخليج وأفريقيا.
– إنشاء مراكز تجهيز الصادر (غسيل، تعبئة، تغليف، تبريد).

سابعًا: القيمة الاقتصادية والعائد للدولة:
زراعة الموالح إذا أحسن تطويرها يمكن أن تكون من المحاصيل النقدية ذات العائد العالي:
– الإنتاج البستاني له قيمة سوقية أعلى من الإنتاج الحقلـي، ويحقق هامش ربح أكبر.
– كل طن من الموالح المصنعة يحقق عائدا مضافا بنسبة 300% عن الطازج.
– تشغيل مصانع التحويل (عصائر – تجفيف – زيوت عطرية) يعزز التوظيف الصناعي ويزيد من الدخل القومي.
– دعم الميزان التجاري عبر الصادرات خاصة للأسواق الخليجية والأفريقية.

ثامنًا: تطوير مراكز البحوث و الشتول وذلك من خلال:
– إنشاء وحدات بحثية متخصصة في الحمضيات لتحسين الإنتاجية ومقاومة الأمراض.
– استيراد شتول معتمدة وزيادة إنتاجها محليا عبر شراكات مع جامعات زراعية ومؤسسات دولية.
– تحفيز القطاع الخاص لإنشاء مشاتل متخصصة بامتيازات استثمارية.

تاسعًا: حلول استراتيجية وتقديرات مستقبلية:
– زيادة المساحات المزروعة بالموالح إلى 100 ألف فدان خلال 10 سنوات.
– توقع زيادة الصادرات السنوية إلى 100 مليون دولار حال تطوير سلسلة القيمة والتصنيع.
– دمج الزراعة مع السياحة الزراعية والأسواق المحلية.
– إطلاق منصة رقمية لتسويق الموالح داخليًا وخارجيًا.

و في ختام هذا المقال البحثية يمكن أن تمثل زراعة الموالح في السودان فرصة استراتيجية للنهوض بالاقتصاد الزراعي والتحول من الإنتاج التقليدي إلى زراعة بستانية ذات قيمة مضافة عالية،على إن يتم تفعيل السياسات الداعمة لذلك، وتطوير الشتول، وتحسين سلسلة الإنتاج و التصنيع، وتمكين المزارعين من الوصول للأسواق العالمية، يمكن أن يحول السودان إلى مصدر موثوق لمنتجات الموالح عالية الجودة والعضوية، كما يمكن أن تعزز الأمن الغذائي، وتدعم خزينة الدولة و تنشط الصادرات بتحسين الميزان التجاري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى