دبلوماسية الكوارث: هل يمكنها إنقاذ السودان من أزمته؟ .. بقلم/ لواء دكتور ركن سعد حسن فضل الله .. خبير بمركز الخبراء العرب للدراسات الصحفية ودراسات الرأى العام

في خضم الصراع الدامي الذي يعصف بالسودان منذ أبريل 2023، يبرز سؤال ملح: هل يمكن لدبلوماسية الكوارث، تلك الإستراتيجية التي تستثمر الأزمات الإنسانية لتعزيز التعاون الدولي، أن تقدم حلاً للأزمة السودانية؟ الإجابة ليست بسيطة.
الصراع الحالي يتجاوز حدود المعاناة الإنسانية إلى تعقيدات سياسية وعرقية وإقليمية عميقة.
دبلوماسية الكوارث: أمل أم وهم؟
دبلوماسية الكوارث ودبلوماسية الكارثة مفهومان مهمان في دراسة العلاقات الدولية وهما يعكسان إستراتيجيات مختلفة تتعلق بإدارة الأزمات.
الفرق بينهما:
تُعرَّف دبلوماسية الكوارث على أنها تلك الإستراتيجية التي تهدف إلى استغلال الأزمات الإنسانية، سواء كانت ناتجة عن كوارث طبيعية أو أزمات من صنع الإنسان، من أجل تعزيز الحوار والتعاون بين الأطراف المتصارعة. تستند هذه الدبلوماسية إلى مبدأ أساسي يتمثل في أن دور المساعدة الإنسانية يمكن أن يكون جسرًا للتواصل بين الأطراف، بما يسهم في خفض منسوب التوتر، وفتح قنوات للحوار ويمكن أن يؤدي إلى تحقيق السلام.
من ناحية أخرى، تشير دبلوماسية الكارثة إلى ممارسة سياسية توظّف الأزمة الإنسانية من قبل الأطراف المتحاربة لكسب الشرعية الدولية وتعزيز موقفهم في الساحة المحلية والدولية.
في هذا السياق، قد يسعى أحد الأطراف إلى استغلال الظروف الإنسانية الصعبة لخلق تصورات إيجابية عن أنفسهم كـما فعلت مليشيا الدعم السريع بإعلانها تخصيص قوة لحماية المدنين بينما تواصل عرقلة جهود توصيل المساعدات الإنسانية في المناطق التي تحاصرها( الفاشر مثالًا) ،مما يؤدي إلى تفريغ دبلوماسية الكوارث من مضمونها الفعلي.
الحرب التي شنتها مليشيات الدعم السريع ضد المواطن السوداني أدت إلى تدمير البنى التحتية للدولة ونهب ممتلكات ومقتنيات الشعب مما أدى إلى إفقاره بشكل ممنهج، و إتلاف الزراعة بقصد تجويعه و نتج جراء ذلك نزوح اكثر من 10 ملايين مواطن وانعدام الأمن في كثير من المناطق خاصة التي تتواجد فيها مليشيا الدعم السريع.
دبلوماسية الكوارث قد تكون أداة لفتح قنوات تؤدي إلى تحسين الوضع الإنساني لقد شهدنا نماذج ناجحة في الماضي، مثل إندونيسيا بعد تسونامي (2004) حيث سهّلت المساعدات الإنسانية مفاوضات السلام في إقليم (آتشيه). لكن هل يمكن تكرار هذا النموذج في السودان؟
على الصعيد الإنساني، يمكن لدبلوماسية الكوارث أن تحشد دعماً دولياً عاجلاً فالأزمة السودانية، التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها “واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم”، جذبت بالفعل مساعدات من دول مثل قطر وتركيا والكويت والبحرين والسعودية. هذه المساعدات، رغم محدوديتها، قد تُستخدم كجسر لتخفيف العداء بين الأطراف المتحاربة، خاصة إذا تم تنسيقها عبر وسطاء محايدين. كما أن إشراك الدول الإقليمية في جهود إنسانية مشتركة قد يُضعف حدة التدخلات الخارجية التي تغذي الصراع.
تعقيدات الصراع السوداني أدت إلى أزمة إنسانية يمكن معالجتها بالمساعدات، إذا ابتعدنا عن المصالح إلإقليمية والدولية المتضاربة، التي لها أجندات خبيثة في السودان، سواء كانت تتعلق بالسيطرة على البحر الأحمر أو استغلال موارده الطبيعية كالذهب وغيره من الموارد. هذه التدخلات تجعل من الصعب تحقيق الحياد الذي تتطلبه دبلوماسية الكوارث لتكون فعالة.
الدور الدولي:
غياب الإرادة السياسية فى الاستجابة الدولية للأزمة السودانية كانت، بصراحة، مخيبة للآمال. مبادرات مثل مفاوضات جدة أو جهود الإيغاد فشلت في تحقيق اختراقات ملموسة، ليس فقط بسبب تعنت المليشيا، بل أيضاً بسبب غياب ضغط دولي موحد من الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب تشتت انتباهها بصراعات أخرى مثل أوكرانيا والشرق الأوسط مما قلل من أولوية وجود السودان على أجندتها.
هذا الفراغ يُضعف إمكانية استخدام دبلوماسية الكوارث كأداة فعالة، حيث تتطلب هذه الاستراتيجية إرادة سياسية قوية وتنسيقاً دولياً.
معوقات نجاح دبلوماسية الكوارث:
على الرغم من الفرص المتاحة لدبلوماسية الكوارث في السودان، إلا أن هناك عدة معوقات تحد من نجاحها:-
أولاً، تكمن إحدى أبرز المعوقات في تعقيدات الصراع العسكري والسياسي القائم. فالصراع في السودان ليس مجرد أزمة إنسانية، بل هو ناتج عن صراع قوى إستراتيجية مختلفة. التحالفات والانقسامات الداخلية صعبت من جهود نجاح الدبلوماسية حيث يسعى كل طرف لتأمين مصالحه الخاصة على حساب الآخرين.
ثانيًا، نهب قوافل الإغاثة والاعتداء على العاملين بها وانعدام الأمن وسلطة القانون يعد عائقًا آخر رئيسي.
ثالثًا، غياب الإرادة السياسية الدولية يشكل عائقًا كبيرًا أمام نجاح دبلوماسية الكوارث. فوجود تضارب في المصالح بين القوى الكبرى، إضافة إلى اهتمامها بصراعات أخرى كأزمة أوكرانيا، والملف الإيراني وسياسة ترامب ساهمت في تقلل التركيز الدولي على الأزمة السودانية. هذا الأمر يؤدي إلى انعدام الضغط الموحد والفعال على الطرف المتعنت.
رابعًا، عدم وجود آلية فعالة لمراقبة توزيع المساعدات وتوجيهها بشكل سليم يُعد أيضًا تحديًا، فغياب الشفافية يمكن أن يؤدي إلى اختلاس المساعدات أو توجيهها إلى غير المستحقين، مما يُفقد ثقة المتضررين والمانحين ويُعطل جهود السلام.
أخيرًا، قد تعاني الجهود الإنسانية من قلة التمويل والموارد، وينتج من ذلك الحد من قدرة الجهات الفاعلة على تقديم الدعم الكافي. فبدون موارد كافية، فإن دبلوماسية الكوارث ستواجه صعوبة في تحقيق تأثير إيجابي ملموس.
دبلوماسية الكوارث، رغم إمكاناتها، ليست عصا سحرية لحل أزمة السودان. يمكنها أن تلعب دوراً مساعداً في حشد المساعدات وفتح قنوات حوار، لكن نجاحها يتوقف على شروط غائبة حالياً: حياد الوسطاء، إرادة دولية قوية، والحل الحقيقي والمنتظر يعتمد على حكومة الأمل بقيادة الدكتور كامل إدريس في خلق توافق سياسي شامل يعيد للدولة هيبتها ويضع حداً للتدخلات الخارجية. بدون ذلك، ستظل دبلوماسية الكوارث مجرد تخفيف مؤقت لمعاناة شعب يستحق حياة أفضل.
فالشعب السوداني، الذي أنهكته الحروب والمجاعات والنزوح يستحق من المجتمع الدولي أكثر من مجرد بيانات شجب وتنديد.
الجمعة 4 يوليو ٢٠٢٥م