وجه الحقيقة … هل تفعلها تقدم وتنسحب من وثيقة إعلان المبادئ ؟!… بقلم / إبراهيم شقلاوي

إنّ صمت المجتمع الدولي تجاه الجرائم التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع ضد المدنيين منذ اندلاع حرب السودان في منتصف أبريل من العام الماضي يشجع المليشيا على مواصلة ارتكاب هذه الجرائم دون خوف من العقاب. تصاعدت وتيرة الانتهاكات و القتل خلال الأيام الماضية في عدد من قرى الجزيرة، في قرية (السريحة) وحدها قُتل (147) مواطناً أعزل، بجانب قتل وتشريد قرى أخرى في (تمبول) و (برنكو) و (ود النورة)، فضلاً عن الذين يُقتلون في دارفور و كردفان و ولاية الخرطوم جرّاء القصف العشوائي المستمر.
لذلك، ندعو إلى أهمية العمل المشترك و التضامن المحلي و الإقليمي و الدولي الذي يمكن أن يُسهم في استعادة الأمن و السلام للشعب السوداني الذي يعاني من نيران هذه الحرب. بالأمس تحدث لقناة الجزيرة مباشر (جعفر حسن) الناطق الرسمي باسم تنسيقية القوى المدنية “تقدم” ، معلّقاً على هذه الانتهاكات الوحشية التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في قرى شرق الجزيرة، و قال جعفر إنهم سيخاطبون مجلس الأمن و السلم الإفريقي و كافة المنظمات الدولية كما سيخاطبون الجيش و مليشيا الدعم السريع بضرورة وقف الحرب.
فيما يخص وثيقة إعلان المبادئ التي وقّعوها مع الدعم السريع في فبراير الماضي بأديس أبابا، قال إن الدعم السريع لم يلتزم بشكل كافٍ بحماية الاتفاق، و لم يلتزم بتنفيذ ما تم التوقيع عليه، مبرراً ذلك بأنهم كانوا ينتظرون الطرف الثالث (الجيش) لإعطاء الاتفاق مشروعية باعتباره طرفاً يكتمل به إعلان المبادئ، و أضاف أنهم في حالة انعقاد دائم لتقييم الاتفاق و النظر في أمر وقف إطلاق النار المؤقت حتى يمكن التفاوض، و أن ما حدث في شرق الجزيرة يرقى لأن يكون جرائم حرب، كما أشار إلى خطاب الكراهية و التعبئة السلبية التي إن لم تتوقف فستزيد من صعوبة وقف الحرب و قد ترفع احتمالات انتقالها إلى حرب أهلية.
هذا الحديث الذي أدلى به الناطق الرسمي باسم “تقدم” يفتح الباب واسعاً لإثبات جدية “تقدم” في حماية المدنيين، كما أنه يوجب عليها الانسحاب من وثيقة إعلان المبادئ مع مليشيا الدعم السريع باعتبار أنها لم تلتزم بأيّ من بنودها المتعلقة بحماية المدنيين، و الممرات الآمنة للتنقل و السماح بدخول المساعدات الإنسانية و تهيئة الظروف لعودة المواطنين. هذه الوثيقة حسب مراقبين تمثل عبئاً أخلاقياً و سياسياً سلبياً كبيراً على تنسيقية “تقدم”، و ربما إذا طال الأمد و زاد الإصرار على الحفاظ عليها تؤثر سلباً على وحدة التنسيقية نفسها، لأن الجماهير المتضررة من هذه المليشيا التي تتحالف معها “تقدم” و تدعمها لن تغفر لها هذا الموقف المخزي المتعلق بإسناد المليشيا سياسياً و إعلامياً. كما أن ذلك سيفتح الباب واسعاً لخصومها السياسيين لإيجاد المبررات الكافية لعزلها من العملية السياسية.
إن انتهاكات مليشيا الدعم السريع للمدنيين أصبحت غير محتملة، و أصبحت تهدد بنشوب حرب أهلية، و هي الحرب التي ظلت “تقدم” تحذر منها، لذا فإن انسحاب تنسيقية القوى المدنية “تقدم” من وثيقة إعلان المبادئ يمثل خطوة ضرورية نحو تجاوز هذه التوقعات، بجانب إعادة بناء الثقة بينها و بين جماهيرها، و بينها و بين الأحزاب السياسية الوطنية و الشعب السوداني إذ يجب مناقشة عواقب هذه الشراكة و الآثار المترتبة عليها.
قد يحقق هذا الانسحاب توازناً ضرورياً في الموقف السياسي، و يسهم في توحيد الجهود لتحقيق السلام و الاستقرار، عليه تبقى الضرورة لتحقيق العدالة و السلام برفع الغطاء و الدعم عن التجاوزات المتكررة للمليشيا. هنا سيبرز دور تنسيقية القوى المدنية “تقدم” إن كانت جادة في تبني مبدأ حماية حقوق الإنسان كما أن هذه الخطوات التصحيحية قد تؤدي إلى تعبئة أوسع للأحزاب السياسية نحو العمل المشترك الرامي إلى استعادة الأمن.
إن تغيير التوجه السياسي نحو وحدة الصف و تجاوز مليشيا الدعم السريع سيفتح المجال لتسريع وتيرة السلام، و قد يصب في صالح تشكيل جبهة واسعة تضم جميع الذين يسعون لإنهاء دائرة العنف و الجرائم و ربما يسهل الحوار السوداني-السوداني.
أختتم بالقول إن هذا الانسحاب وهذه الخطوة الجريئة ليس مجرد خطوة تكتيكية ، بل واجب أخلاقي وسياسي تجاه الشعب السوداني الذي يتطلع إلى السلام والعدالة واستعادة الأمن .
عليه يبقى وجه الحقيقة في أهمية الاصطفاف الوطني الذي سيضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية و الأخلاقية تجاه الجرائم و الانتهاكات التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع، و تجاه بلادنا بعد هذا الغياب الواضح فإن الإهمال المتواصل لإدانة لمثل هذه الانتهاكات يزيد من تمادي المليشيا و يشجعها على مواصلة ارتكاب المجازر بحق المواطنين العُزَّل.
كما أن استمرار الدعم السياسي و الإعلامي للمليشيا يعزز قدرتها على ارتكاب الجرائم و التمادي في الانتهاكات. لذلك نجدد دعواتنا لجميع الأحزاب الوطنية و لتنسيقية القوى المدنية “تقدم” إلى أهمية وحدة الصف و رفع الغطاء السياسي و الإعلامي عن هذه المليشيا و الانحياز للصف الوطني الداعم للقوات المسلحة السودانية لاستعادة الأمن و تحقيق السلام. عليه يظل السؤال الأخلاقي و السياسي قائماً: هل تفعلها “تقدم” و تختار الصف الوطني بالانسحاب من وثيقة إعلان المبادئ التي وقّعتها مع مليشيا الدعم السريع في أديس أبابا؟ دعونا ننتظر.
دمتم بخير وعافية.
الإثنين 28 أكتوبر 2024 م.
Shglawi55@gmail.com