البحوث والدراساتالصحيفة الإلكترونيةدراسات و إستطلاعات الراي العاممقالات الرأي

عن الاستنفار والمقاومة الشعبيه ️د. محمد حسن فضل الله يكتب قيادتنا الموقرة .. وأبوحنش بين .. مكره أخاك لابطل

✍️ د. محمد حسن فضل الله

                             (1) 

زعمت العرب أن أصل قصة المثل (مكره أخاك لابطل) ان أباحنش من بني أسلم قال له خاله، وقد بلغه أن ناسا من اعدائهم من بنى أشجع في غار: (هل لك في غار فيه ظباء لعلنا نصيب منها؟).. وانطلق به حتى اذا أقامه على فم الغار دفعه الى داخله قائلاً: (ضرباً يا أبا حنش) .. فلما قاتل القوم مجبرا قال بعضهم : (إن أبا حنش لبطل) .. فقال أبو حنش: (مكره أخاك لا بطل) فصار هذا مثلا يضرب لمن يحمل على ما ليس من شأنه .. وذكر صاحب صيد الخاطر رواية أخرى للمثل فقال (قيل : إن أول من قاله عمرو بن العاص، لما عزم عليه معاوية ليخرجن إلى مبارزة على رضي الله عنهم، فلما تقدم عمرو بن العاص إلى علي بن أبي طالب ، ألقى بسيفه على الأرض قائلا له: (مكره أخوك لا بطل) فلست أنا بندّ لك ولا وقِرن، ولكن أرغموني حتى خرجت)، فضحك علي رضي الله ورجع الى معسكره)


(٢)
والمثل على طرافته إنما يجسد حال قيادة الجيش ممثلة في الفريق البرهان وزمرته القيادية، والكثير من قادته الميدانين في الفرق والمناطق العسكرية – الا قليلا منهم – حيال المقاومة الشعبية والإستنفار من لدن اندلاع الحرب واتقاد جذوتها منذ نحو العام .. فقد اعرضت قيادة الجيش اول امرها عن نداءات الاهالي والسكان بتسليحهم ، وضربت صفحا عن مطالبات تأهيلهم على القتال ، وصمت اذانها دون رجاءاتهم ،و اغلقت عيونها ومذابحهم تستشرى ، والدماء تسيل، والقرى تستباح والأعراض تنتهك، والحرائر يقدن جوارى وإماء إلى نواحي دارفور في حملة سبي واسترقاق لم يشهد لهاحاضر السودان مثيلا …
(٣)
الشاهد أن ما حدث بولاية الجزيرة وانسحاب القوات المسلحة دون قتال في ديسمبر ٢٠٢٣م أدى الى اشتداد الغضب، واوقد شعلة التعبئة العامة ،وأيقظ جذوة المقاومة الشعبية بشكلٍ عفوي .. حينئذ وجد الفريق البرهان ورصفائه في سدة القيادة أنه لم يعد ممكنا ، وليس من سبيل أمامهم تحت ضغط الرأي العام تجاهل دعوات المطالبة بالتعبئة العامة ، وأن الأمر قد يتعدى دائرة السيطرة، ويؤدي إلى تجاوز القاعدة الشعبية للقيادة لاسيما في ظل ضعف الدولة وسقوط هيبتها، وشاشة موقفها ، وعجزها عن ضبط الحدود وواردات السلاح والمعدات حينئذٍ عمدت القيادة الى فكرة التخدير العميق من خلال مسايرة الشعب في انتفاضته ، ومحاولة الاحتواء والسيطرة وادارة الغضب واختيار اسلوب (تنفيس الأزمة) فتصاعدت خطاباتها وتصريحاتها عن فتح المعسكرات والتسليح، واغراق المقاومة في مظاهر احتفالية وكرنفالات وهميه دون أن تتخذ فعليا اي خطوات جادة حيال تسليح المستنفرين واستيعابهم او اشراكهم فعليا في مجريات الحرب أو تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم .. وليس الحديث على عواهنه، فالشواهد على ان موقف القيادة ليس الا فرقعة اعلامية يدرك شنشنتها القائمون على امر الاستنفار بكل ولاية فقد بحت الاصوات الشعب تطالب بالتسليح وقيادات الفرق والمناطق العسكرية تماطل وتتباطأ ..صحيح انها لاتجروء على الرفض، ولكنها في المقابل تضع العراقيل دون العراقيل التى تحول دون تسليح المستنفرين .. في شندى ومدني وسنار، والنيل الأزرق والأبيض والنيل الابيض وغيرها من حواضر الولايات .
(٤)
ولعل المثال الحاضر الذى لايغيب عن الذهن هو ولاية الجزيرة ومنطقة جبل اولياء فبعد ان ضنت فيها القيادات العسكرية بالتسليح وعمدت الى المناورات والمطاولات حتى اذا سقطت بيد المليشيا اذا بها تستعرض المخازن التي استولت عليها ،والاسلحة التى وضعت يدها عليها في هذه المواقع ،وهي حاشدة السلاح ، غاصة بالعتاد والذي لو كان قد سلحت به مجموعات المُستَنفرين فلربما تغير سير المعارك نفسها .. ويعضد ذلك من الاعتقاد بان قادة الفرق والمناطق لم تصدر لهم تعليمات بالتسليح .. فمتي كان قادة المناطق يتأخرون عن تنفيذ تعليمات لو كانت وصلت اليهم ؟.
(٥)
بالمقابل مما عزز الشكوك ،وزاد من القناعات الشاهد الماثل، – والشيء بالشيء يذكر- أن الحركات المسلحة حينما قررت على استحياء التخلى عن حالة الحياد ، وتحريك قواتهم إلى بعض الولايات سارع قادة المناطق والفرق بفتح المعسكرات لهم ، وتوفير العربات والوقود، وتزويدهم بالتسليح بالتذخير والتشوين بلا حساب، وتيسير كافة اشكال الدعم اللوجستي أمامهم واتجه بعض أعضاء مجلس السيادة من العسكريين الى حضور احتفالات تخريج منسوبيهم ،بل وتوجيه الرسائل من خلالها تحذيراً للمقاومة الشعبية، وتشكيكاً في ادوارها وانتقاصاً من مساهماتها .. في مفارقة واضحة اذ أن ذات الدعم والتسليح والاهتمام والتقدير لم تجده المقاومة الشعبية وهي تفتح معسكراتها باموالها.. بل بلغ الأمر بها الى ان تشترى السلاح والعتاد من حر مالها ،وتبرعات رموزه.
(٦)
على ذات السياق فإن قراءة تصريحات الفريق الكباشي الأخيرة حول المقاومة تعبر عن موقف القيادة حيال المقاومة الشعبية وتستجيب من جانب اخر للضغوط الممارسة بواسطة مبادرات التسويات الجارية الان على الخفاء .. وكلها بلا استثناء تشترك في بند تسريح المقاومة الشعبية والسيطرة على سلاحها وابعادها من دائرة التفاعل الجارية .. وتؤكد مرة اخرى بوضوح على تخوف قيادة الجيش من المقاومة الشعبية واستعدادهم لتجريدها من السلاح بل والمقايضة بها ان تتطلب الامر في أقرب تسوية سياسيه مع المليشا المتمردة وحاضنتها السياسيه .. وعززت هذه التصريحات من القناعات التى بدأت تزداد يوما بعد يوم عن حقيقة موقف القيادة ، وان تصريحاتها السابقه المتعلقه بتدريب وتأهيل المقاومة الشعبية ماهى الا فصل في ليل التخدير الممارس، ومبحث فى رسالة الخداع العسكرى التى نال بها بعض القادة درجة الماجستير في العلوم العسكرية بكلية القادة والإركان.
(٧)
اما الفصل الاخير المرتقب – والذى نرجو أن لا يكتب الله تحقيقه – والمستقى من هذه المواقف، والمستنبط من هذه التصريحات، والمستخلص من كل الممارسات فهو اعتذار قيادتنا (والتى لازلنا نكن لها الاحترام والتوقير) عند اشتداد الضغوط وتكاثف التسويات انها إنما ضطرت إلى تبني فكرة الاستنفار والمقاومة الشعبية رضوخاً إلى ضغط الرأي العام، ونزولا تحت الحاحه بيد انها في حقيقة امرها مثل ابوحنش متمثلة بقوله (مكره أخاك لابطل)

تعليق واحد

  1. تلك هى زبدة المقال تدافع الناس وطلبها التسليح حماية لأنفسهم واعراضهم واملالكهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى