مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … جولة عقار وقرب إعلان الحكومة .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

تنشط الدبلوماسية السودانية هذه الأيام في تحركات لافتة تعكس سعيها لترسيخ شرعية الدولة و إعادة تموضعها إقليميًا. في هذا السياق جاءت جولة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار إلى أوغندا و جيبوتي خلال أسبوع، في توقيت حساس يتزامن مع تحولات عسكرية و سياسية متسارعة، ما يجعل هذه التحركات جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز حضور السودان في محيطه الإقليمي و تأمين موقفه في مواجهة التحديات الراهنة. في هذا المقال نستعرض أبعاد هذه الجولة، ورسائلها الدبلوماسية، و انعكاساتها على المشهد السياسي الداخلي، في ظل الحديث عن اقتراب نهاية الحرب و ترتيبات المرحلة المقبلة.

لقاء عقار بالرئيس يوري موسفيني يعكس رغبة السودان في تعزيز علاقاته مع دول شرق أفريقيا، خاصة أن أوغندا تمتلك نفوذًا مؤثرًا في القضايا الإقليمية. تناول اللقاء تطورات الأوضاع العسكرية و السياسية، لا سيما رفض الخرطوم لـ”الميثاق السياسي” الذي احتضنته كينيا، باعتباره محاولة لإنشاء سلطة موازية.

أيضا يلاحظ تصريحات عقار حول دعم أوغندا للشرعية السودانية و عدم تبنيها أي حكومة بديلة تمثل مكسبًا دبلوماسيًا مما يشي بأن هناك تفاهمات تمت حول الموضوعات التي تخص الطرفين ، في وقت تسعى فيه أطراف إقليمية ودولية إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي السوداني وفقًا لمصالحها. مستقلة ضعف بعض الدول الافريقية و استعدادها لقبول صفقات.

في جيبوتي، التقى عقار بالرئيس إسماعيل عمر قيلي، و سلّمه رسالة من رئيس مجلس السيادة تناولت العلاقات الثنائية و سبل تعزيزها، بجانب ملف السودان في الاتحاد الإفريقي و”الإيقاد”. تجميد عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي شكّل تحديًا سياسيًا كبيرًا، وتحاول الخرطوم استعادة موقعها عبر دعم القيادة الجديدة للاتحاد التي يعدها السودان أكثر تفهمًا لموقفه من القيادة السابقة التي كانت تبدي انحيازًا واضحا لمليشيا الدعم السريع ، حيث أبدى رئيس المفوضية استعداده لمناقشة عودة السودان، مما يعكس تحولات إيجابية في الموقف الأفريقي.

اللافت أن عقار خلال هذه الجولة أعلن عن استعداد الحكومة للحوار مع مليشيا الدعم السريع “إذا التزمت بتنفيذ اتفاق جدة”، من الواضح أن ذلك يحمل دلالات مزدوجة. فمن جهة تُظهر الخرطوم انفتاحها على الحلول السياسية، لكنها في الوقت نفسه تربط أي تفاوض بوقف العمليات العسكرية التي تقوم بها المليشيا ما يعكس موقفًا مرنًا لكن مشروطًا.

بالتزامن مع هذه التحركات، شارك السودان في الاجتماع الاستثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي بجدة، بوفد ترأسه وزير الخارجية علي يوسف الشريف حيث ركز الوزير على تثبيت الاعتراف بشرعية الدولة و رفض تكوين أي سلطة موازية. الربط بين القضية السودانية و الفلسطينية في الاجتماع يعكس توجه السودان نحو تعزيز موقعه في التكتلات الإقليمية، مستفيدًا من القضايا ذات التأثير العالمي لتأمين دعم أوسع لمواقفه و ربما لخارطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية المتعلقة بإدارة الفترة الانتقالية عقب إجازتها تعديلات الوثيقة الدستورية للعام 2025 م و التي وجدت قبول من الأمم المتحدة والجامعة العربية و أطراف دولية أخرى.

هذه التحركات تأتي في لحظة يحقق فيها الجيش تقدمًا ميدانيًا، بينما تسعى أطراف أخرى فرض ترتيبات سياسية جديدة. جولة عقار لم تكن مجرد زيارات بروتوكولية، بل خطوة مدروسة لتأمين دعم إقليمي، و استعادة الدور السوداني في المؤسسات القارية، وتمهيدًا لمرحلة سياسية جديدة تشمل تشكيل حكومة كفاءات وطنية و التي بات أمر إعلانها مسألة وقت.

لكن هذه التحركات تجعلنا نطرح تساؤلات حول تشكيل الحكومة الجديدة، و مدى قدرتها على تحقيق التوازن بين القوى السياسية الداخلية و الخارجية. حيث تواجه السلطة الانتقالية تحديًا في تعزيز شرعيتها وسط استمرار الحرب. بالمقابل فإن هناك تفاعلا دوليًا جيدًا ساعد في ترسيخه انتصارات الجيش السوداني علي الأرض و اقترابه من استعادة السيطرة الكاملة علي العاصمة الخرطوم عقب سيطرته علي ولاية الجزيرة وسنار و فك الحصار عن الأبيض. لذلك فإن حكومة الكفاءات الوطنية المدنية سوف تضمن إعادة السودان إلى المنظومة الدولية.

هذا و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة، فإن جولة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار تأتي في سياق تحركات دبلوماسية تعكس استعداد السودان لمرحلة ما بعد الحرب خاصة مع اقترابها من نهاياتها. تشكيل حكومة كفاءات قد يكون خطوة مفصلية في إعادة ترتيب المشهد السياسي، لكنه لن يكون كافيًا ما لم يقترن برؤية وطنية شاملة تعزز الاستقرار و تعيد بناء مؤسسات الدولة. و مع التقدم العسكري و الحراك الدبلوماسي المكثف، تلوح في الأفق ملامح سودان جديد، أكثر استقرارًا و وحدة يمضي بثقة نحو استعادة مكانته بعد أن استعاد الدولة.

دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 11 مارس 2025 م Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى