أصل القضية … الإمارات و صناعة الزعماء: من (حفتر) إلى (حميدتي)، من القادم لزعزعة أمن جوبا؟ .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

تناقلت بعض المواقع الإخبارية مؤخرًا أنباء عن تحركات عسكرية واشتباكات في ولاية واراب بجنوب السودان، مما أثار التساؤلات حول الجهات التي تحرك خيوط اللعبة من وراء الكواليس. الإمارات، التي لعبت دورًا محوريًا في صناعة زعماء مثل خليفة حفتر في ليبيا، و محمد كاكا في تشاد، و محمد حمدان دقلو (حميدتي) في السودان، تبدو و كأنها تسعى لتكرار هذا السيناريو في جوبا. و لكن السؤال الأهم الذي يتردد الآن: ماذا تريد الإمارات من جنوب السودان و الخرطوم؟ و كيف يفسد هذا السيناريو المكرر؟
الإمارات و صناعة الزعماء: من حفتر إلى حميدتي… فشل غير معلن:
الإمارات اتبعت نهجًا عسكريًا و استخباراتيًا في المنطقة لتثبيت حلفاء يخدمون مصالحها الاستراتيجية. ففي ليبيا، دعمت حفتر للسيطرة على المشهد السياسي و العسكري، و نجحت جزئيًا في تحقيق نفوذها هناك. في تشاد، دعمت محمد كاكا ليواصل إرث والده في السيطرة على البلاد. و لكن في السودان، اصطدمت بخيبة أمل كبيرة في صناعة حميدتي الذي فشل في تكرار نموذج حفتر بسبب تلاحم الجيش و الشعب في السودان.
فشل الإمارات في تحويل حميدتي إلى “حفتر السودان” يشير إلى أن سيناريوهات الهيمنة العسكرية التقليدية لم تعد تُجدي في بعض المناطق الأكثر تعقيدًا. السودان كان ساحة مغايرة تمامًا، مليئة بالتحديات التي لم تضعها الامارات حول الواقع وتركيبة الشعب السوداني الذي لا يقبل المليشيات و رفع شعار (ما في مليشيا بتحكم دولة) و أثبتت التجربة الإماراتية الفاشلة أن “حفترة” السودان أمر أكثر تعقيدًا.
ماذا تريد الإمارات من الخرطوم و جوبا؟
في الخرطوم و جوبا، تسعى الإمارات إلى تعزيز نفوذها من خلال استغلال الموارد الاقتصادية و المواقع الاستراتيجية. السودان يمثل بوابة تجارية و استراتيجية، ليس فقط بسبب موقعه الجغرافي، و لكن أيضًا لما يحتويه من ثروات معدنية و زراعية. جنوب السودان، بما لديه من احتياطيات نفطية و مائية يُعد هدفًا آخر لطموحات الإمارات التي تريد التوسع في القرن الإفريقي.
لكن ما يميز هذا الطموح هو السعي للتأثير من خلال أدوات القوة الناعمة، بما في ذلك التحالفات السياسية المحلية و توظيف الشركات و التمويل، و هي استراتيجيات تعكس رغبة الإمارات أصالة أو وكالة في تحقيق توازن استراتيجي مع القوى الدولية الأخرى في المنطقة.
من القادم لزعزعة أمن جوبا؟
في ظل الفشل في السودان، تتجه الأنظار إلى جوبا. هل ستسعى الإمارات لصناعة “حميدتي” في جنوب السودان؟ هذه المنطقة تختلف بتعقيداتها، ولكن تبقى احتمالات التدخل قائمة. قد تبحث الإمارات عن شخصية جديدة تحاكي تجاربها السابقة في تشاد وليبيا، وتعيد ترتيب الأوراق في جنوب السودان لتحقيق أهدافها الجيوسياسية.
لكن المنطقة في جنوب السودان تشكل تحديًا أكبر. النفوذ الإقليمي، التوازنات الداخلية بين القبائل، وتداخل المصالح الدولية يجعل من تكرار السيناريو الإماراتي أمرًا معقدًا. لذا، سيكون من المثير مراقبة الشخصيات التي قد تدفع بها الإمارات إلى الساحة، و من هو القادم الذي سيحاول زعزعة استقرار جوبا.
ما الأدوات غير التقليدية التي تفسد السيناريو الإماراتي؟
رغم أن الإمارات نجحت في بعض الدول باستخدام أساليب القوة الخشنة والناعمة، إلا أن المنطقة الإفريقية، وخاصة السودان و جنوب السودان، تمتلك أدوات مقاومة غير تقليدية قد تفسد هذا السيناريو المكرر. أبرز هذه الأدوات:
١. التداخل الإقليمي: السودان وجنوب السودان يشتركان في مصالح أمنية مع قوى إقليمية كبيرة مثل مصر و إثيوبيا، و التي تملك أجندات تنافس الإمارات في المنطقة. أي دعم لشخصية محلية يمكن أن يواجه مقاومة قوية من جيران قويين لديهم مصالح متداخلة.
٢. التوازنات الداخلية: في كل من السودان وجنوب السودان، تلعب القبائل والنخب المحلية دورًا حاسمًا في السياسة. أي تدخل خارجي لدعم زعيم معين يمكن أن يشعل صراعات داخلية تهدد استقرار المنطقة و تعيق مساعي الهيمنة.
٣. تعدد الفاعلين الدوليين: على عكس ما قد يحدث في مناطق أخرى، فإن القوى الدولية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين لها مصالح اقتصادية و إستراتيجية كبيرة في إفريقيا. أي محاولة لتكرار السيناريوهات الإماراتية يمكن أن تقابل بردود فعل دولية تعطل هذا المخطط.
كيف يمكن قراءة استمرار الإمارات دون وازع أو رادع؟
الإمارات تستمر في سياستها دون رادع، حيث تلعب أدوارًا مباشرة وغير مباشرة (بالأصالة أو بالوكالة) في إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية. هذا الاستمرار يعود إلى رغبتها في تعزيز موقعها كقوة إقليمية من خلال النفوذ في المناطق غير المستقرة، مما يتيح لها استغلال الفراغات الأمنية و السياسية.
و مع ذلك، فإن هذا التوجه الإماراتي يمكن أن يثير ردود فعل دولية حادة في المستقبل القريب. فالتدخلات في شؤون الدول الإفريقية والشرق أوسطية يمكن أن تتسبب في تصعيد توترات دولية، خاصة إذا ما شعرت قوى أخرى بأن الإمارات تعيق مصالحها أو تسعى للهيمنة في المناطق الحيوية.
أصل القضية: هل تفشل الإمارات في جنوب السودان كما فشلت في السودان؟
ما فشلت الإمارات في تحقيقه في السودان من تحويل حميدتي إلى زعيم قوي يمكن أن يتكرر في جنوب السودان. المنطقة مليئة بالتحديات، و النفوذ المحلي و الإقليمي أكبر من أن يُختزل في سيناريو إماراتي مكرر. فالأدوات غير التقليدية التي تستخدمها الدول المجاورة، بالإضافة إلى وعي الشعب بمخاطر التدخل الخارجي قد تكون هي العامل الذي يفسد هذه اللعبة.
و رغم كل محاولات الإمارات للتوسع في إفريقيا، فإن السؤال الذي يظل قائمًا: هل ستنجح في جنوب السودان؟ أم أن تكرار السيناريو سيفشل مرة أخرى؟