مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … الخرطوم: صفعة سيادية في وجه نيروبي .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في خطوة غير تقليدية وجريئة، قد تكون أحد أبرز محطات الدبلوماسية السودانية الحديثة، تصدر قرار حظر الطيران الكيني في أجواء السودان كإشارة حاسمة من الخرطوم إلى نيروبي: “الحدود السيادية للسودان لا يمكن اختراقها”. لم يكن القرار مجرد رد فعل عابر على المواقف السياسية الإقليمية، بل كان بداية لمرحلة جديدة من الدبلوماسية السودانية، التي تأخذ موقفًا قويًا في مواجهة التدخلات الإقليمية وتحرص على تعزيز سيادة وطنها في محافل العالم.

العلاقات السودانية الكينية: تحول في مسار التحالفات
العلاقات بين السودان وكينيا كانت على مدى سنوات مثالًا للتعاون المثمر في مجالات التجارة والاقتصاد. لكن، منذ اندلاع حرب الكرامة في ١٣ إبريل ٢٠٢٣م ، تغيرت الأمور بشكل جذري. في الوقت الذي كان فيه السودان يواجه تحديات أمنية داخلية غير مسبوقة، كان العالم بأسره يراقب تطورات الوضع. كان من المفترض أن تكون كينيا، باعتبارها دولة جارة، داعمًا للسودان في محنته، لكن الأحداث أخذت منحى مغايرًا تمامًا.
دعم نيروبي لمليشيا الدعم السريع كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر العلاقة الثنائية. من دعم غير مباشر إلى استضافة مؤتمر تأسيس حكومة منفى، تأكد للمراقبين أن كينيا قد اختارت معسكرها في هذا الصراع. هذا التوجه لم يكن ليمر دون أن يستدعي رد فعل حازم من الخرطوم، التي وضعت سيادتها أولًا وأخيرًا في قلب استراتيجيتها.

ضغوط اقتصادية على نيروبي: ثمن المواقف الخاطئة
مع تصاعد التوترات، بدأت الخرطوم بتفعيل أدواتها الاقتصادية لتوجيه ضربات اقتصادية مدروسة إلى كينيا. كان قرار وقف استيراد الشاي من كينيا أحد هذه الأدوات. فعلى الرغم من أن هذه الخطوة قد تبدو اقتصادية بحتة، فإنها كانت بمثابة رسالة سياسية قوية تؤكد أن السودان لن يقف مكتوف الأيدي أمام سياسات نيروبي التي تهدد استقراره.
لكن الرد السوداني لم يقتصر على الجانب الاقتصادي فقط. الحظر المفروض على الطيران الكيني في أجواء السودان كان خطوة أخرى نحو الضغط على كينيا، إذ استهدفت هذه الخطوة أحد أهم مصادر دخل نيروبي عبر النقل الجوي والسياحة. في حين كانت كينيا تشهد تأثيرات سلبية من هذه القرارات، كانت الخرطوم تُظهر براعة في إدارة الأزمة على المستوى الإقليمي والدولي.

الدبلوماسية السودانية: أدوات غير تقليدية في استعادة الهيبة
لقد أثبتت الخرطوم، منذ اندلاع الحرب، أن لديها من الأدوات الدبلوماسية ما يجعلها قادرة على إحداث تغييرات جذرية في علاقاتها الإقليمية. هذه الأدوات ليست تقليدية، بل تعتمد على المرونة والقدرة على الاستفادة من الأزمات لصالحها. فالخرطوم، رغم الضغوط الداخلية والخارجية، تمكنت من توظيف الدبلوماسية الاقتصادية كأداة فاعلة، لا سيما في اتخاذ قرارات تجارية غير متوقعة، تسببت في خسائر مباشرة على الدول التي اختارت الوقوف ضد مصلحتها.
أما الدبلوماسية الإقليمية فقد أظهرت الخرطوم خلالها قدرة على بناء تحالفات جديدة مع دول جوارها، مثل مصر وإثيوبيا، لتقوية موقفها في مواجهة الضغوط الكينية. هذه التحالفات قد لا تكون في الشكل التقليدي للتحالفات السياسية، لكنها في جوهرها تمثل تحركًا ذكيًا يعزز من مكانة السودان في المنطقة.

أصل القضية: الخرطوم تستعيد زمام المبادرة
ليس مجرد رد فعل عابر، بل هو خطوة استراتيجية جريئة تصب في مصلحة سيادة السودان. بإغلاق أجوائها أمام الطيران الكيني، لم يكن السودان مجرد دولة تدافع عن نفسها، بل هو طرف فاعل في صناعة موازين القوة الإقليمية. السودان أثبت للعالم أنه قادر على إدارة سياسته الخارجية بحنكة ومهارة، لا سيما في مرحلة حرجة مثل هذه.
الدبلوماسية السودانية، رغم التحديات الصعبة التي تواجهها، تظهر للعالم قدرة على إعادة صياغة المشهد الإقليمي والدولي، على نحو يجعل من الخرطوم لاعبًا محوريًا في المعادلات السياسية المستقبلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى