أصل القضية … ترامب و كسر القواعد: هل نشهد نهاية الدبلوماسية التقليدية؟ .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في مشهد استثنائي و مثير للدهشة، كسر الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، قواعد الدبلوماسية الدولية المتعارف عليها، من خلال تصريحات علنية جريئة تجاوزت البروتوكولات التقليدية و مواثيق فيينا للعلاقات الدولية. لقد ظهر ترامب على الساحة الدولية ليس فقط كقائد سياسي، بل كمحرك لتحول جذري في الأسس التي تقوم عليها العلاقات بين الدول. إهانات علنية، تنمر صريح و تجاهل واضح للقيم الراسخة في التفاعل بين الدول.
ما يحدث اليوم لا يمكن اعتباره مجرد خروج عن النص، بل هو علامة على تغير شامل في النظام الدولي، و هنا تأتي إستراتيجية الجسر و المورد لتوفر قراءة تحليلية عميقة لهذا الحدث و تكشف عن فرص الدول، خاصة السودان، في هذا السياق الجديد.
عبر إستراتيجية الجسر و المورد نستقرئ أن العالم أمام لحظة تحوّل نادرة، حيث تُعاد صياغة قواعد اللعبة الدولية. تجاوز البروتوكولات قد يبدو في الظاهر قوة أو هيمنة، لكنه في العمق يشير إلى ضعف المؤسسات الدولية التقليدية و عدم قدرتها على فرض قواعدها كما في السابق. هنا، يجب على الدول مثل السودان أن تتبنى نهجًا جديدًا يستند إلى إعادة ترتيب الأولويات و بناء شبكة جديدة من العلاقات الدولية تقوم على المرونة و الابتكار.
انعكاسات هذا التحول على مستقبل العلاقات الدولية:
إذا كانت تصرفات ترامب تشير إلى شيء، فهو أن العلاقات الدولية التقليدية التي كانت تعتمد على التفاوض الهادئ و الاحترام المتبادل بدأت تتغير بشكل غير مسبوق. و السيناريو الأكثر وضوحًا هو أن النظام الدولي القديم، الذي لطالما حكمته معايير دبلوماسية رصينة، في طريقه إلى التآكل. هذه اللحظة الفارقة تطرح فرصًا غير متوقعة للدول التي تملك الجرأة على الاستفادة منها.
السودان، الذي يقف عند مفترق طرق في علاقاته الدولية، يمكنه الاستفادة من هذه الفوضى الدولية عبر تطبيق استراتيجية الجسر والمورد كنهج جديد في السياسة الخارجية. فبينما تتراجع بعض الدول عن الالتزام بالقواعد التقليدية، يمكن للسودان أن يبني جسورًا جديدة عبر تعزيز علاقاته مع دول أخرى تبحث عن توازن و استقرار في هذا المناخ العالمي المتغير.
السيناريوهات المحتملة للدبلوماسية السودانية في هذا السياق:
١. التمسك بالمبادئ و القيم الدولية: في وقت تتجاوز فيه بعض القوى الكبرى ،مثل الولايات المتحدة في عهد ترامب، الأعراف الدبلوماسية، يمكن للسودان أن يتمسك بموقفه الأخلاقي و الالتزام بالمواثيق الدولية. هذا من شأنه تعزيز صورته كدولة مسؤولة تحترم القوانين الدولية و تستحق الاحترام الدولي، مما يفتح الباب أمام شراكات و تحالفات جديدة قائمة على الثقة.
٢. استغلال التحولات لبناء تحالفات جديدة: في ظل هذا التحول العالمي، تستطيع السودان استخدام استراتيجية الجسر و المورد لتعزيز مكانته عبر استغلال نقاط القوة الوطنية مثل الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي الحيوي. يمكن للسودان، من خلال هذا النهج، أن يلعب دورًا محوريًا في بناء علاقات اقتصادية و إستراتيجية متوازنة مع دول الشرق الأوسط، أفريقيا و أوروبا.
٣. إعادة صياغة الأولويات الدبلوماسية: مع تراجع الدور التقليدي للمؤسسات الدولية و تغيُّر قواعد اللعبة، قد يكون الوقت مناسبًا للسودان للتركيز على بناء قدراته الذاتية و تطوير علاقاته الثنائية مع الدول ذات الأهمية الإستراتيجية. يجب أن تعتمد هذه التحركات على مبدأ الاستفادة القصوى من الفرص الاقتصادية و الجيوسياسية المتاحة، مما يعزز الاستقرار الداخلي و يعكس قوة الدولة على الساحة الدولية.
٤. الابتكار في الدبلوماسية: السودان بحاجة إلى دبلوماسية حديثة و مرنة تستفيد من التغيرات السريعة في العالم. استراتيجية الجسر والمورد تقدم إطارًا عمليًا لذلك، حيث يمكن استخدامها لبناء علاقات متعددة الاتجاهات مع القوى الكبرى و الصاعدة، مما يسمح للسودان بالاستفادة من الفرص الاقتصادية و السياسية في ظل هذا التحوّل.
أصل_القضية:
في ظل هذه الظروف، يمكن القول إن ما يحدث اليوم ليس نهاية الدبلوماسية التقليدية فحسب، بل بداية لعصر جديد من العلاقات الدولية. السودان، بتاريخه العريق وإرثه الثقافي و الوطني، قادر على أن يكون لاعبًا مؤثرًا في هذا التحول. باستخدام استراتيجية الجسر و المورد كنهج شامل لإعادة صياغة دوره الدولي، يمكن للسودان أن يحافظ على استقلاله و يعزز من مكانته كدولة تحترم القيم و المبادئ، مع الاستفادة من الفرص المتاحة في هذا المشهد العالمي المتغير.
الرهان الحقيقي ليس على تجاوز القواعد، بل على القدرة على الاستفادة من التحولات الكبرى. السودان، إذا ما اعتمد على رؤى متجددة و تحالفات جديدة، يستطيع أن يصنع فارقًا كبيرًا في إعادة بناء نظام عالمي جديد يستند إلى قيم العدالة و الاستقلالية و التعاون المتوازن.