مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … حرب الرسوم الجمركية: معركة الكبار التي تلتهم صغار العالم .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

> حين تعصف عاصفة الرسوم… من يحمل المظلة؟
في عالم لم يعد الاقتصاد فيه شأناً داخلياً، بات قرار فرض رسم جمركي أشبه بإطلاق رصاصة طائشة في حانة مكتظة: الجميع يتأذى، حتى أولئك الذين لم يدخلوا المشاجرة. و بينما تتبارز القوى العظمى على طاولة الحرب التجارية، تجد دول العالم الثالث نفسها إما رهائن على الرقعة أو وقوداً في المدفأة. فماذا يحدث حقاً في حرب الرسوم الجمركية؟ و ما الوجه الخفي الذي لا تقوله العناوين الاقتصادية المعتادة؟
> الوجه المعلن – رواية الكبار
في ظاهرها، تبدو حرب الرسوم الجمركية كصراع تقني بين دول تسعى لـ”حماية صناعتها الوطنية” و”تصحيح الميزان التجاري” و”مواجهة الممارسات غير العادلة”. الولايات المتحدة مثلاً، تفرض رسوماً على واردات الصين والاتحاد الأوروبي تحت شعار حماية الطبقة العاملة الأمريكية، بينما ترد بكين برسوم مقابلة حمايةً لنموذجها الاقتصادي. لعبة شدّ حبل كلاسيكية… أو هكذا تبدو.
لكن الواقع أكثر تعقيداً، فالرسوم الجمركية ليست مجرد وسيلة مالية، بل أداة سياسية، ورسالة استراتيجية، وصاعق لإعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية.
> الوجه غير التقليدي – قراءة من الهامش
دعنا نتأمل من زاوية مختلفة: ما الذي يحدث حين تتغير قواعد التجارة العالمية فجأة؟
١. الانهيار الهادئ للثقة الدولية:
الرسوم الجمركية المفروضة اليوم لا تهدف فقط لتحقيق مكاسب اقتصادية مباشرة، بل تسعى لكسر النمط، لنسف العقود السابقة، لفرض “أجندة سيادية” جديدة في العلاقات التجارية. هذا ما يجعل النظام التجاري العالمي – الذي بُني بعد الحرب العالمية الثانية – يهتز من أساسه. و من يدفع الثمن؟ الدول التي لم تُنجز بعد بناء منازلها فوق هذا الأساس.
٢. سلاسل القيمة العالمية تحت المقصلة:
دول العالم الثالث لطالما استفادت من كونها حلقة إنتاجية رخيصة في سلاسل القيمة الممتدة عبر القارات. حين تنهار هذه السلاسل أو تعيد تموضعها – بفعل الرسوم – تفقد هذه الدول فجأة سبب وجودها في السوق العالمية. النتيجة؟ مصانع تُغلق، استثمارات تُجمَّد، وبطالة تنفجر.
٣. الاستقطاب التجاري كأداة استعمار ناعم:
حين تُغلق الأسواق أمام البعض وتُفتح أمام آخرين بشروط سياسية، يصبح التبادل التجاري أداة “إذعان استراتيجي”. الرسوم ليست عقوبات اقتصادية فقط، بل خرائط نفوذ جديدة. تجد الدول النامية نفسها مضطرة للاصطفاف مع محور ضد آخر، فتفقد استقلالية قرارها الاقتصادي و من ثمّ السياسي.
> الدول النامية بين المطرقة و السندان
في خضم هذا السجال الكوني، تصبح دول العالم الثالث أمام خيارات أحلاها مُرّ:
١. هل تلتحق بركب أحد المعسكرات؟
مخاطرة الاستقطاب وما يتبعه من عزلة عن السوق العالمية الأخرى.
٢. هل تتبنى سياسة الحياد؟
لكنها حينها تُعامل كدولة لا وزن لها، وتُقصى من امتيازات “أصدقاء المعركة”.
٣. هل تنسج تحالفات جنوب-جنوب بديلة؟
استراتيجية واعدة لكن تنقصها البنية التحتية والتمويل والثقة.
> توصيف استراتيجي غير تقليدي – الرسوم كـ”إعادة ضبط للنظام العالمي”
ما يحدث اليوم ليس حرب رسوم جمركية فحسب، بل محاولة لإعادة صياغة النظام الدولي عبر الاقتصاد.
إنها أشبه بـ”بريتون وودز جديدة” لكن بدون مؤتمر رسمي، تُدار من خلف الكواليس، وبسلاح الرسوم لا القنابل.

والرسالة واضحة:

> “من يملك سلاسل الإمداد، يملك مفاتيح النفوذ.”
وهنا ينبغي على الدول النامية ألا تركض وراء من يصيح بصوت أعلى، بل من يتحكم في حركة السلع و التقنيات و الأموال.
> ما العمل؟ رؤى استباقية لدول العالم الثالث:

١. تعزيز التصنيع المحلي كدرع سيادي
٢. تنويع الشراكات التجارية جنوباً و شمالاً.
٣. الاستثمار في البنية الرقمية وربطها بالتجارة الذكية.
٤. الضغط لتكوين “نظام رسوم عادل” ضمن المنظمات الدولية.
٥. إطلاق مراكز رصد استراتيجي لتقلبات السياسات التجارية العالمية.

أصل القضية: حين يتصارع الفيلة، فالعشب يُسحق… إلا إذا صار حجراً!
دول العالم الثالث ليست قدراً جغرافياً و لا هامشاً في مسرح الكبار. يمكنها أن تتحول من ساحة صراع إلى طرف فاعل، بشرط أن تقرأ ما وراء الأرقام، و تفكر بما لا يُقال، و تبني ما يُمكّنها من النجاة لا فقط من البقاء.

> “في زمن الحرب الاقتصادية، البقاء للأذكى، لا فقط للأقوى.”

هل نمتلك الذكاء الاستراتيجي الكافي؟ هذا هو السؤال.
> آراء متابعي أصل_القضية نستقبلها عبر الإيميل
mabubaker814@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى