مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … حكومة المنفى: الجسر الخفي نحو قلب الموازين في السودان .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

بينما تتوالى الانتقادات و الخطابات الساخطة تجاه خطوة قوات الدعم السريع بإعلان حكومة المنفى، يكتفي البعض بتشخيص سوءاتها و تأثيراتها السلبية على المشهد السوداني. لكن، ماذا لو قلبنا الموازين و طرحنا سؤالًا جديدًا؟ ماذا لو قرأنا هذه الخطوة قراءة غير تقليدية، باعتبارها فرصة للسودان لإعادة تموضعه على الخارطة الإقليمية و الدولية، وفق إستراتيجية الجسر و المورد؟
عندما نتحدث عن هذه الإستراتيجية، فإننا نتحدث عن القدرة على تحويل الأزمات إلى فرص، و الاستفادة من الفوضى لإعادة صياغة المستقبل. هذه ليست مجرد رؤية تكتيكية قصيرة المدى، بل هي مشروع إستراتيجي يمكن للسودان من خلاله قيادة التغيير في المنطقة، بدلاً من أن يكون مجرد متلقٍ للأحداث.

إعادة قراءة الخطوة: تحويل الأزمة إلى فرصة إستراتيجية:
إعلان حكومة المنفى من قبل قوات الدعم السريع ليس مجرد خطوة عشوائية، بل هو جزء من لعبة أوسع تُدار على المستوى الإقليمي و الدولي. صحيح أن هذه الخطوة تهدف إلى فرض نفوذ على الأرض و كسب اعتراف دولي، لكنها أيضًا تمثل نافذة للسودان الشرعي ليقلب الطاولة، و يوظف هذا الحدث ليصبح فاعلًا رئيسيًا في تغيير قواعد اللعبة.
السؤال الذي نطرحه هنا هو: كيف يمكن للسودان استغلال هذا الإعلان ليحقق مكاسب غير متوقعة؟ وفق إستراتيجية الجسر و المورد، لا ينبغي أن يكون الرد السوداني تقليديًا أو دفاعيًا. بل على العكس، يمكن أن يتحول السودان إلى المبادر، و يدير هذا الموقف بدهاء استراتيجي يحول الأزمة إلى فرصة لتعزيز الشرعية و كسب المعركة السياسية.

من المأزق إلى الانتصار: خطوة استباقية بتوجيه دفة الأحداث:
لننظر إلى الأمر من زاوية جديدة: إذا كان دعم حكومة المنفى مدفوعًا بمصالح دولية و إقليمية، فإن السودان قادر على إعادة تدوير هذا الدعم لصالحه. بدلاً من الانجرار إلى الردود المتوقعة، بإمكان السودان استباق الأحداث و ابتكار حلول غير تقليدية تضعه في موقع الهجوم السياسي و الدبلوماسي.
إستراتيجية الجسر و المورد تدعو إلى استثمار الفجوات التي تُحدثها الأزمات لتأمين مساحات جديدة للعبور إلى الاستقرار. من هنا، يمكن للسودان أن يستغل هذا الحدث للتأكيد على دوره كضامن للشرعية و الاستقرار في المنطقة، و عبر تعزيز التحالفات مع القوى الدولية التي تهتم بتفادي الفوضى الإقليمية.

استغلال الموقف: بناء جسر دولي للسودان:
يستطيع السودان، عبر مقاربة ذكية و حملة دبلوماسية محكمة، أن يجعل هذا الحدث فرصة لبناء جسر مع القوى الكبرى التي تبحث عن استقرار المنطقة. من خلال قلب الطاولة على داعمي المليشيا، السودان يمكن أن يبرز كقوة إقليمية ملتزمة بحفظ النظام و الأمن الدولي.
تتجسد استراتيجية الجسر والمورد هنا في الاستفادة من هذه اللحظة الحرجة لجعل السودان محط أنظار العالم، ليس كضحية للأحداث، بل كفاعل رئيسي قادر على لعب دور الوسيط والمنظم للأزمات الإقليمية.

السودان والمشهد الدولي: نظريات العلاقات الدولية في مواجهة الأزمة
على الصعيد النظري، تُظهر العلاقات الدولية أن الأزمات قد تكون مفتاحًا لإعادة تشكيل السياسة العالمية. وفق الواقعية السياسية، فإن السودان يمكن أن يعيد تموضعه عبر خلق توازنات جديدة بين القوى الإقليمية والدولية. بدلاً من أن تكون حكومة المنفى تهديدًا للسودان، يمكن أن تتحول إلى سلاح دبلوماسي يعزز موقع السودان كقوة رئيسية تسعى لضمان استقرار محيطها.
أما من منظور الليبرالية، فإن السودان لديه فرصة لتعزيز تحالفاته مع المنظمات الدولية و الدول التي تهتم بإحلال السلام. هذا التوجه الليبرالي سيمكن السودان من أن يعيد تشكيل موقعه كداعم للاستقرار، و ليس طرفًا متضررًا فقط.

كيف يقلب السودان الطاولة؟ استخدام أدوات القوة الناعمة:
الرهان الآن يكمن في التحرك الدبلوماسي الذكي. بدلاً من التصعيد العسكري أو الردود التقليدية، يمكن للسودان توجيه ضربة غير متوقعة لداعمي التمرد عبر استثمار الفضاء الدبلوماسي والإعلامي لتأكيد شرعيته. السودان، في هذا السياق، يتحول من مجرد لاعب متأثر بالأحداث إلى محرك لها.
إستراتيجية الجسر و المورد تعتمد على بناء الجسور بين المواقف المتناقضة، و استغلال التضاربات الإقليمية و الدولية لتحقيق مكاسب غير متوقعة. و من خلال توظيف هذا الموقف، يمكن للسودان أن يبني تحالفات جديدة، و يقود النقاشات الدولية حول أهمية دعم الشرعية و الاستقرار.

أصل القضية: استثمار الأزمات لصناعة مستقبل جديد
النجاحات الكبرى تأتي غالبًا من رحم الأزمات. و حكومة المنفى التي أعلنها الدعم السريع قد تبدو للوهلة الأولى كتهديد للاستقرار، لكنها تحمل في طياتها فرصة للسودان لإعادة تشكيل موقعه. وفق إستراتيجية الجسر و المورد، الأزمات هي جسور نحو المستقبل، و السودان قادر على أن يستخدم هذه اللحظة لصالحه.
السودان، بإرثه و تاريخه العريق، يمكنه أن يستغل هذه اللحظة ليعيد رسم ملامح المشهد السياسي الإقليمي، و يؤسس لجسرٍ جديد بين الماضي و المستقبل، عبر استثمار الأزمات و تحويلها إلى نقاط انطلاق نحو الاستقرار والتنمية.
ليست الأزمات هي التي تصنع الدول، بل الطريقة التي تتعامل بها الدول مع تلك الأزمات. و السودان، بقوة إستراتيجيته و حنكته، قادر على تحويل هذه الحكومة المزعومة إلى مجرد تفصيلة في مسيرة نهضته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى