أصل القضية … رصاصات معطلة و أزمات متفاقمة: أين الخلل؟ .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في الوقت الذي تمتلئ فيه ميادين القتال بأصوات الرصاص، و الجنود السودانيون يقدمون أرواحهم كل يوم فداءً لهذا الوطن، تستعر ساحة المعركة الأخرى – ساحة التخطيط و التنفيذ – فهي فارغة تماماً ممن يزود فيها. إنه الواقع الصادم الذي نواجهه: جهاز تنفيذي بطيء، غير قادر على إطلاق رصاصاته في الوقت المناسب، تاركًا خلفه أزمات تتضاعف و مناطق محررة تتهاوى مجددًا أمام الفوضى.
الرصاصة الأولى: البطء القاتل في التخطيط
إذا كنت تحمل في جعبتك خمس رصاصات لحل الأزمات المتراكمة، فلا يجب أن تواجه ست مشكلات دون خطة واضحة. و لكن هذا هو ما يحدث الآن. بينما تتقدم القوات المسلحة السودانية لتحرير الأرض، يظل الجهاز التنفيذي في سبات عميق. أين خطط إعادة الإعمار؟ أين رؤية الحكومة لاستعادة المناطق المحررة؟ يبدو أن الرصاصات التي كان من المفترض أن تُطلق لحل هذه الأزمات قد تعطلت.
إن ما يحدث ليس مجرد تأخير، إنه فشل استراتيجي. تحرير الأرض بلا تخطيط هو هدية للفوضى. وعندما تتحرر المناطق، و لكن تبقى بلا إعادة بناء ولا استقرار أمني، فإننا ببساطة نُهدر كل ما تحقق على الأرض.
الرصاصة الثانية: استنساخ الأزمات تحت مسميات جديدة
هل لاحظتم كيف أن نفس الأزمات تعيد نفسها مرة بعد مرة؟ تُعاد تدويرها تحت مسميات جديدة، لكن الجوهر يبقى واحداً. الخلل الأمني، غياب الخدمات، الفوضى الاقتصادية، كلها أزمات تتكرر وكأننا نعيش في دوامة لا نهاية لها. الفرق الوحيد؟ العنوان يتغير و لكن المضمون يظل كما هو.
الشعب السوداني تعب من الشعارات. يريد حلولاً حقيقية، لا مجرد تغيير للمسميات. إن استنساخ الأزمات لن يحلها، بل سيزيدها تعقيداً. و ما نراه الآن هو إعادة تدوير للفشل، وكأن الحكومة تقول لنا: “نفس الدواء، و لكن من شركة أخرى”.
الرصاصة الثالثة: القوى الخفية التي تنخر في جسد الدولة
الفريق أول ياسر العطا قالها بوضوح: أذرع الدعم السريع و (قحت) بنسختيها موجودة، تعمل خلف الكواليس، تنخر في جسد الدولة. إنها قوى خفية، لا تُرى بالعين المجردة، لكنها تترك آثارها في كل مكان. هذه القوى لا تريد للسودان الاستقرار، ولا للشعب الأمان. إنها تزرع الفوضى، و تغذي الانقسام، و تعمل بذكاء على تحريف الرأي العام و توجيهه ضد مصلحة الدولة.
هذه الأذرع الخفية ليست مجرد تهديد عسكري، بل هي أداة إعلامية و اجتماعية خطيرة. إنها تُظهر نفسها في الخطاب العام، تروج لليأس و الانقسام و كأنها تقول للشعب السوداني: “هذا هو قدرك، فلا حل لديك سوى القبول به”.
الرصاصة الرابعة: الفوضى الأمنية في المناطق المحررة
تحرر المناطق، و لكن ماذا بعد؟ الفوضى الأمنية تتفشى فيها بشكل مقلق. العصابات، الميليشيات، و كل من يريد اقتناص الفرصة ينتهزها في غياب دولة حقيقية تخطط و تنفذ. هذا ليس مجرد خلل أمني عابر؛ إنه دليل على أن الحكومة تفتقر إلى استراتيجية واضحة لإعادة السيطرة بعد تحرير الأرض.
القوات المسلحة تبذل الغالي و النفيس، لكن أين الدولة من هذا المشهد؟ هل تنتظر أن تستقر الأمور من تلقاء نفسها؟ للأسف، يبدو أن كل تحرير يُخلف وراءه فراغاً تملؤه الفوضى.
الرصاصة الخامسة: أين خطط الإعمار؟
عندما تتحرر المدن والقرى، يتوقع الناس عودة الحياة. يتوقعون بناء المنازل، المدارس، و المستشفيات. لكن أين هي خطط الإعمار؟ لماذا لم نر أي خطوات عملية تعيد بناء ما هدمته الحرب؟ هل تنتظر الحكومة حتى تهدأ الأمور لتبدأ العمل؟ و لكن، من قال إن الأمور ستهدأ من تلقاء نفسها؟
إن غياب الرؤية الواضحة و خطط الإعمار هو إعلان ضمني بأن ما تحقق على الأرض من انتصارات عسكرية قد يضيع هباءً إذا لم يتم استغلاله بشكل صحيح.
الرصاصة الأخيرة: من يدفع الثمن؟
الشعب السوداني هو من يدفع الثمن. هو من يعيش وسط الفوضى، هو من ينتظر الحلول التي لا تأتي. إن الحكومة، بتخاذلها وتباطئها، لا تُهدر فقط فرص البناء، بل تُهدر ثقة المواطن في دولته. والمواطن لا يريد وعوداً فارغة، بل يريد أن يرى أفعالاً على الأرض.
الرسالة التي يجب أن تصل إلى كل مسؤول في هذه الدولة هي أن الشعب السوداني ليس بحاجة إلى المزيد من المسكنات أو الشعارات الرنانة. ما يحتاجه هو حلول جذرية تعالج الأزمة من جذورها، تُطلق “الرصاصات المعطلة”، و تعيد للسودان استقراره و أمانه.
أصل القضية : هل نستطيع إطلاق الرصاصات المتبقية؟
الوقت ينفد، و كل تأخير يُضاعف التحديات. القوات المسلحة قامت بواجبها، و لكن الدور الآن على الجهاز التنفيذي. هل يستطيعون إطلاق الرصاصات المتبقية؟ هل لديهم القدرة على إصلاح ما تم تدميره؟
الأمل لا يزال موجوداً، و لكن فقط إذا تمكنت الدولة من تشخيص الداء الحقيقي و التعامل معه بشجاعة و شفافية. الوقت ليس في صالحنا و الأزمات لن تنتظر لأنها عدو.