أصل القضية .. شعارات تَصْرُخ… و وطن يَنزِف: الثورة و الست الحسوم .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في زمن الاختلاط تخشع الأصوات،و لا تسمع الحقيقة إلا همسا كان يُفترض أن تكون الثورة بدايةً لحياةٍ جديدة…لكنها تحوّلت بسرعة إلى مسرحٍ كبير، يتسابق فيه الممثلون على إطلاق الشعارات،بين من يهتف باسم “الحرية”، و من يصرخ “يا نصر يا شهادة”، و بين هذا و ذاك…ضاعت الحقيقة و تاه الوطن.
الفخّ الكبير: عندما تُستبدل الفكرة بالشعار
في كل لحظة تاريخية، يولد شعار يُلهب الحناجر.
لكن… هل يكفي الهتاف لبناء وطن؟
هل تعني الحرية شيئًا عندما تُمنَح فقط لمن يوافقنا الرأي؟
و هل تعني العدالة شيئًا حين تُصبح سيفًا بيد المنتصر؟
“الحرية التي تستثني خصمك… هي مجرد نسخة من قمعك.”
شعار “حرية، سلام، وعدالة” الذي ملأ الدنيا ضجيجًا،
سرعان ما تبيّن أنه مجرد لافتة تُخبئ خلفها
حرية رأي واحدة،
سلام مع الميليشيا،
وعدالة ثورية تُوزَّع مثل الغنائم.
الشعبوية: مسكِّن الوعي، وسُمّ الدولة
لنتوقف لحظة…
ما الفرق بين الشعبية والشعبوية؟
الشعبية تنبت من الثقة… من الإنجاز… من الصدق.
أما الشعبوية فهي كمن يبيع “الوهم بالتقسيط”، ويقبض الوطن نقدًا!
“الشعبوية هي فنُّ تسويق العدم، في عبوة مكتوب عليها: التغيير.”
فجأة، صار كل من يختلف مع هتاف الشارع “عدو الثورة”.
و صار الوطن نفسه يُختزل في “مليونية”.
و انقسم البلد إلى: دولة الجلابة، دولة البحر، دولة النهر، دولة ٥٦،ثم إلى شتات هُويات، تُلغي بعضها… و تستدعي الفوضى.
الميليشيا و الديمقراطية: زواج بالإكراه:
حين رفعت مليشيا الدعم السريع شعار “يا نصر يا شهادة”،
لم تكن تبحث عن نصر…
بل عن مشروع تَغوُّلٍ دموي، يلبس ثوب التحرير و هو يحمل خنجر الارتزاق.
تحدثوا عن الديمقراطية، و هم يقنصونها من فوق سيارات الدفع الرباعي.
نادوا بالحريات، و هم يكمّمون أفواه القرى.
أحرقوا المدن، ثم بكوا على الرماد باسم الوطن!
“الديمقراطية لا تسكن في مدرعات الميليشيا، بل في قلوبٍ لم تقتل.”
“جيش واحد، شعب واحد”: الشعار الذي حاولوا اغتياله:
في خضم هذا الضجيج، ارتفع شعار آخر:
“جيش واحد، شعب واحد.”
هتف به من آمنوا أن ما تبقى من الدولة… لا يحرسه إلا الجيش.
لكن لم تمرّ ساعات، حتى تحوّل الشعار إلى هدف للهجوم والسخرية:
“معليش، ما عندنا جيش!”
قالها من ظنوا أن الفوضى تصنع الحرية.
لكن حين سقطت المؤسسات، من بقي واقفًا؟
حين تمددت الميليشيا في الخرطوم، من صدّها؟
حين كاد الوطن أن يتبخر… من لَم يتبخّر؟
“الجيش ليس فوق الشعب… لكنه آخر من ينهار حين يسقط الجميع.”
بين الوعي و الزيف… كيف نُعيد المعنى للوطن؟
كل الشعارات قد تُرفع، لكن لا تُخدع:
“الشعار لا يبني وطنًا، بل يفضحه إن لم يصمد على الأرض.”
لن نستعيد السودان بشعارٍ جديد، بل بوعيٍ جديد.بفهم الفرق بين من يريد السلطة… و من يريد الوطن.
بين من يرفع اللافتة… و من يحمل المشروع.
أصل القضية: آن للوعي أن يهتف
ليكن شعارنا اليوم:
“وعيٌ واحد، وطنٌ واحد.” امتدادًا لجيش واحد شعب واحد
دعونا لا نكون ضحايا من يهتفون جيدًا… لكنهم لا يبنون شيئًا.
و لا نركض خلف من يصنعون عدوًّا وهميًّا، كلما أفلسوا في الفكر.
و لا نسلّم رقابنا لزيف “الديمقراطية المدججة”، و لا لحناجر “الحرية الانتقائية”.
الجيش ليس الكمال، لكنه الأمل في الحد الأدنى من الدولة.
و الشعب ليس بالقطيع، بل شريك في القرار و المصير.
آراء متابعي أصل القضية نستقبلها على الإيميل:
*mabubaker814@gmail.com*