مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … كيف تصبح الموارد سلاحًا للسلام في السودان؟ قراءة في إستراتيجية الجسر والمورد .. بقلم/محمد أحمد أبوبكر

في خضم الصراعات الممتدة في السودان، تتجلى إحدى الحقائق المؤلمة: أن الموارد الطبيعية التي تزخر بها البلاد قد تحولت في كثير من الأحيان إلى مصدر للانقسام بدلاً من أن تكون رافعة للسلام و التنمية. و لكن ماذا لو كانت تلك الموارد، التي تلهث وراءها القوى الإقليمية و الدولية، هي السلاح الأكثر فعالية لبناء جسور السلام؟ هذا ما تقدمه إستراتيجية الجسر و المورد كإطار جديد و غير متوقع لمعالجة النزاعات في السودان.
البساطة في الرسالة تكمن في جوهر هذه الاستراتيجية. السودان، الذي يحوي على موارد هائلة من النفط، الذهب، المياه و الأراضي الزراعية الخصبة، يمكن أن يتجاوز تلك النزاعات المتكررة عبر تحويل هذه الثروات إلى أداة لتمكين المجتمعات المختلفة من التعاون بدلاً من التنافس. الفكرة هنا ليست معقدة: المورد الذي نقتتل حوله اليوم، يمكن أن يكون حلاً غدًا، إذا تم إدارته بعقلانية و شراكة جماعية. هذه الفكرة تعيدنا إلى ذاكرة الشعوب السودانية التي كانت تتقاسم مواردها في الماضي ضمن أعراف اجتماعية مستدامة.
أما الخروج عن المتوقع فيكمن في رسالة أن الموارد ليست سببًا للصراع و حسب بل يمكنها أن تكون مفتاحًا لبناء السلام. التصور التقليدي أن النفط، على سبيل المثال، يُؤدي إلى حروب داخلية و خارجية، لكن الحقيقة غير المتوقعة هي أن إدارة هذه الموارد بشكل مشترك بين المجتمعات المتناحرة يمكن أن يؤدي إلى تحفيز التكامل الاقتصادي و التعاون الإقليمي. هل يتخيل صانع القرار السوداني أن الحقول التي كانت ميادين صراع يمكن أن تصبح منصات للتنمية المستدامة بين الأطراف المختلفة؟
لتصبح هذه الأفكار ملموسة و معاشة، تخيل القرى المتنازعة حول مياه النيل الأزرق و قد تحولت إلى مراكز تعاون زراعي و صناعي حيث يعمل السكان معًا على مشروعات الري و الزراعة المشتركة. الصورة تصبح أكثر وضوحًا عندما نتذكر أن هناك قصصًا حية من دول أخرى نجحت في تحويل مثل هذه الصراعات إلى فرص. السودان بموارده الهائلة، لديه القدرة على تحقيق ذلك بشكل ملموس إذا ما تبنينا نموذجًا يعتمد على الشفافية والمشاركة.
أما المصداقية فهي تأتي من دراسات وتجارب عالمية تثبت أن إدارة الموارد بشكل عادل و شفاف تقلل من فرص النزاع. لنأخذ مثال جنوب أفريقيا، حيث تحولت إدارة الموارد المعدنية إلى محور للسلام الداخلي بعد سنوات من الانقسام العرقي. كذلك، في رواندا، تم استثمار الموارد الزراعية بطريقة أحدثت تغييرًا جذريًا في المشهد السياسي و الاجتماعي.
لكن لا بد أن نلامس السياق العاطفي للسودانيين. كيف يمكن لمواطن قضى سنوات من عمره في خضم حرب لا تنتهي أن يؤمن بأن الموارد يمكن أن تكون جسرًا نحو مستقبل أفضل؟ هنا يأتي دور الإنسانية: قصص الترابلة شيبا وشبابا، الذين حولوا الأرض التي شهدت معارك إلى مزارع منتجة تخدم الجميع. قصص النساء في المناطق النائية، اللواتي عانَين من النزاعات حول الأراضي، و لكن اليوم يجدن في تلك الأراضي مصدرًا للعيش الكريم لأطفالهن. هذه القصص تحرك المشاعر، و تؤكد أن التغيير ممكن.
السودان اليوم يواجه تحديًا هائلًا، حيث تتقاطع المصالح الدولية و الإقليمية مع احتياجات الداخل. و لكن القصة يمكن أن تكون مختلفة إذا تمكنا من بناء تواصل مبتكر بين الأطراف المختلفة. استراتيجية الجسر و المورد تقدم سيناريو جديدًا: بدلاً من أن تظل موارد السودان لعنة تؤجج الصراعات يمكن أن تصبح الأساس لبناء مستقبل مستدام يحقق السلام للجميع.
أصل القضية التي يجب أن تصل إلى صانع القرار و كل وطني غيور هي: موارد السودان ليست لعنة، بل هي فرصة. و الأمر كله يعتمد على كيفية إدارتها. عبر استراتيجية الجسر والمورد، يمكن للسودان أن يعبر الجسر إلى الاستقرار و السلام و يصبح نموذجًا يحتذى به في كيفية تحويل الأزمات إلى فرص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى