مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … ما بين السيادة السودانية والطموحات الإماراتية: كيف تقلب إستراتيجية الجسر والمورد موازين القوى في المنطقة؟ .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في أروقة السياسة الإقليمية، تبرز الإمارات العربية المتحدة كواحدة من القوى التي تسعى بنشاط لإعادة صياغة المشهد في السودان. من خلال دعمها لعبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السابق الذي قاد فترة مليئة بالأزمات، و إلى تشكيل حكومة منفى تدعم مليشيا الدعم السريع، تحاول الإمارات فرض أجندتها على السودان. لكن السؤال الملح يبقى: ما الذي تسعى الإمارات لتحقيقه في السودان؟ و ما الذي تعنيه تحركاتها للسودان و المنطقة؟

ما الذي تريده الإمارات من السودان؟
السودان، بموارده الغنية و موقعه الاستراتيجي، يمثل قطعة ثمينة في رقعة الشطرنج الإقليمية. الإمارات، من خلال دعمها لعناصر داخل السودان ك(عبد الله حمدوك)، تسعى إلى ترسيخ نفوذها في المنطقة عبر السودان، بوابتها إلى القرن الأفريقي و البحر الأحمر. هدف الإمارات لا يتوقف عند تحقيق مكاسب اقتصادية فحسب، بل يتجاوزه إلى ضمان موطئ قدم قوي يمكنها من التأثير على التحالفات الإقليمية.
بتمويلها لمليشيا الدعم السريع، تسعى الإمارات إلى توظيف أدواتها في النزاع الداخلي السوداني لضمان دور أكبر في صياغة مستقبل البلاد، معتمدة على استراتيجيتها في تشكيل حكومات ظل وتحالفات عسكرية تخدم أجنداتها الخاصة. هذا النهج، وإن بدا في مظهره دعمًا للاستقرار، يحمل في طياته محاولات للهيمنة على القرار السياسي السوداني.

التداعيات الجيوسياسية: السودان في قلب العاصفة:
السودان ليس مجرد مسرح للصراع الداخلي، بل هو قلب منطقة تعج بالتنافس الإقليمي و الدولي. الإمارات تدرك جيدًا أن السيطرة على السودان تعني السيطرة على واحد من أهم الممرات المائية في العالم، و هو البحر الأحمر، إضافة إلى النفوذ في القرن الأفريقي. هذا النفوذ الذي تسعى الإمارات لتعزيزه عبر دعمها للمليشيات و الحكومات المنافية يشكل تهديدًا مباشرًا للسيادة السودانية.
على الصعيد الجيوسياسي، هذه التحركات قد تجر المنطقة إلى صراعات أوسع. فالتدخل الإماراتي لا يُقرأ بمعزل عن الطموحات التركية والروسية و الصينية في المنطقة. السودان يصبح بذلك ساحة للتنافس بين هذه القوى، وكل منها تحاول فرض رؤيتها الخاصة لمستقبل البلاد. أي اضطراب في السودان يعني اهتزاز الاستقرار في القرن الأفريقي و بالتالي تهديد الممرات البحرية و خطوط الإمداد العالمية.

كيف يمكن للسودان قلب الطاولة؟
رغم هذه الضغوط، يمتلك السودان أدوات يمكنه من خلالها قلب الطاولة على الإمارات، وذلك دون أن يتسبب في قطيعة مع العرب أو يمس توازن العلاقات الإسلامية. استراتيجية الجسر والمورد توفر للسودان إطارًا متكاملًا للتعامل مع هذه التحديات:

١. بناء تحالفات استراتيجية متوازنة: على السودان أن يستثمر في تعزيز شراكاته الإقليمية والدولية مع القوى التي يمكنها دعم سيادته واستقراره. العلاقات مع تركيا وروسيا وإيران تفتح أمام السودان أبوابًا لموازنة التدخلات الخارجية وإعادة ترتيب التحالفات بما يخدم مصلحته القومية. زيارة وزير الخارجية السوداني إلى طهران بعد اجتماعاته مع روسيا ترسل رسالة واضحة بأن السودان يسعى لتعزيز شراكاته بما يضمن توازن القوى في المنطقة.
٢. استغلال التنافس الدولي على موارده: السودان يمتلك قدرات وموارد تجعل منه محورًا للتنافس الدولي، وهو ما يمكنه من استخدام هذا التنافس كأداة للضغط. استراتيجيات الاستثمار في قطاعي الموارد الطبيعية والبنية التحتية، المدعومة بتحالفات ذكية، يمكن أن تمنح السودان قدرة أكبر على التأثير في مواقف الأطراف الدولية، وتجعل منها شريكًا لا غنى عنه في استقرار المنطقة.
٣. تفعيل دبلوماسية المبادرات: السودان بحاجة إلى دبلوماسية فاعلة تنطلق من رؤى واضحة تقوم على المبادرة لا على ردة الفعل من خلال تبني إستراتيجية الجسر و المورد، يمكن للسودان أن يقدم نفسه كوسيط إقليمي قادر على جسر الهوة بين الأطراف المتصارعة و تحقيق مكاسب سياسية و اقتصادية تعزز سيادته الوطنية. استغلال موقعه الجغرافي كجسر بين الشرق و الغرب، و تقديم نفسه كقوة قادرة على تحقيق توازن إستراتيجي سيجعل من السودان فاعلًا رئيسيًا في المنطقة.

الانعكاسات الجيوأمنية على المنطقة و الإقليم:
التحركات الإماراتية في السودان لها تأثيرات جيوأمنية تتجاوز حدود السودان نفسه. إذا نجحت الإمارات في تحقيق أهدافها، فقد يتغير توازن القوى في القرن الأفريقي و البحر الأحمر، مما سيؤثر على استقرار المنطقة بأكملها. و من المحتمل أن تتصاعد المنافسات بين القوى الإقليمية و الدولية، ما يهدد بتفاقم الصراعات المسلحة و يزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة.
لكن، إذا تمكن السودان من إعادة ترتيب أوراقه واعتماد استراتيجية دبلوماسية ناجحة، فإن هذا قد يعيد تشكيل التحالفات في المنطقة لصالحه، و يخلق توازنًا جديدًا يمنع أي دولة من التغول على سيادته. الجسر و المورد ليست مجرد رؤية سياسية، بل أداة إستراتيجية يمكن من خلالها تحقيق الاستقرار السوداني و الإقليمي.

كيف تساهم استراتيجية الجسر والمورد في إعادة التوازن؟
السودان بحاجة إلى استثمار استراتيجية الجسر والمورد بشكل أعمق لتحقيق أهدافه القومية والإقليمية. هذه الاستراتيجية تعتمد على أربعة ركائز أساسية:

١. التنوع في التحالفات: السودان يجب أن يسعى لتوسيع شراكاته بما يتجاوز النفوذ العربي التقليدي. التحالف مع تركيا و روسيا و إيران يمثل قاعدة لتشكيل توازن قوى يحمي السودان من التدخلات الخارجية.
٢. استغلال موارده كأدوات ضغط: السودان يمتلك موارد طبيعية ضخمة تجعل منه لاعبًا مهمًا في سوق الطاقة و الزراعة. استخدام هذه الموارد كأداة ضغط يمكن أن يجذب استثمارات دولية و يعيد تموضع السودان في الخريطة الاقتصادية العالمية.
٣. دبلوماسية المبادرات الإقليمية: السودان يجب أن يكون مبادرًا في تقديم حلول إقليمية للتحديات التي تواجه المنطقة. يمكنه أن يلعب دور الوسيط بين القوى المتصارعة، مما يعزز مكانته كفاعل رئيسي في الساحة الإقليمية.
٤. الترويج لموقعه الجغرافي: السودان يمتلك موقعًا استراتيجيًا يربط بين أفريقيا و الشرق الأوسط و هو ما يمكنه من بناء جسور تعاون اقتصادي و تجاري تحقق له مكاسب ضخمة.
أصل القضية: مستقبل السودان في موازين القوى الإقليمية
السودان يقف اليوم في نقطة تحول، حيث يجد نفسه وسط تنافس إقليمي و دولي محموم. الإمارات تسعى لتعزيز نفوذها على حساب السيادة السودانية، لكن السودان يمتلك من الأدوات ما يجعله قادرًا على قلب الطاولة وإعادة ترتيب التحالفات لصالحه. عبر استراتيجية الجسر و المورد، يمكن للسودان أن يعيد صياغة دوره في المنطقة و يحافظ على سيادته و استقراره في مواجهة التدخلات الخارجية.

الرسالة واضحة: السودان لا يحتاج إلى مواجهة الإمارات بالصدام المباشر، بل إلى توظيف أدواته الدبلوماسية و الاقتصادية بحكمة، ليقلب موازين القوى لصالحه دون المساس باللُّحمة العربية و الإسلامية. الطاولة يمكن أن تقلب، السودان قادر على استغلال الفرص و اختار أن يكون الفاعل الدولي لا كما اختارت الإمارات التي برؤاها قصير المدى احتارت أن تكون المفعول بها في هذا المشهد المتغير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى