أصل القضية … ميلاد السودان الجديد بين القوة والدبلوماسية .. محمد أحمد أبوبكر

من ساحات المعارك إلى طاولات التفاوض: لحظة لا تحتمل التقليدية
لم تكن استعادة القصر الرئاسي مجرد انتصار عسكري، بل إعلانًا مدوّيًا عن تحول استراتيجي يفرض إعادة رسم المشهد السياسي والدبلوماسي للسودان. في عالم تحكمه التوازنات الدقيقة والمصالح المتشابكة، لا يكفي أن تنتصر في ميدان القتال، بل يجب أن تحوّل نصرَك إلى مكاسب سياسية ودبلوماسية ترسّخ موقعك كقوة إقليمية لا يُستهان بها.
السودان اليوم أمام لحظة لا تحتمل التردد أو الاستغراق في البيروقراطية البالية، بل تستدعي قفزة نوعية نحو دبلوماسية أذكى، أكثر جرأة، وأبعد مدى. فبينما يُعيد التاريخ تشكيل ذاته في قلب الخرطوم، يتعين على الدبلوماسية السودانية أن تُعيد تعريف دورها وفق معايير جديدة، تتجاوز الأطر التقليدية التي حاصرت السودان لعقود.
ما بعد القصر: كيف يجب أن تتحرك الدبلوماسية السودانية؟
١. دبلوماسية الهجوم لا الدفاع: بناء سردية سودانية جديدة
لطالما تعاملت الدبلوماسية السودانية من موقع رد الفعل، متأرجحة بين محاولات تبرير المواقف أو احتواء الأزمات. أما اليوم، فالسودان بحاجة إلى دبلوماسية هجومية تستبق الأحداث، وتبني سردية جديدة تُعيد تعريف موقعه الإقليمي والدولي. يجب أن يتحول السودان من دولة يُنظر إليها كحالة أزمات إلى فاعل مؤثر يُعيد تشكيل التوازنات في المنطقة.
كيف؟
●إطلاق حملة “السودان الجديد” على المستوى الدولي، تهدف إلى ترسيخ صورة السودان كدولة قادرة على إدارة شؤونها بذكاء وكفاءة، بعيدًا عن الوصاية الدولية.
●استغلال الإعلام الرقمي والدبلوماسية العامة لإيصال الصوت السوداني إلى العواصم العالمية، بدلًا من أن يتم تفسير الواقع السوداني عبر تقارير المنظمات والمراكز الغربية فقط.
٢. تحالفات مرنة بدل التبعية: دبلوماسية متعددة المحاور
الرهان على محور واحد كان دائمًا خطأً استراتيجيًا، والسودان اليوم يحتاج إلى دبلوماسية تحالفات متوازنة، لا انتماءات ثابتة. يجب عليه أن ينفتح على قوى جديدة، ويفاوض الجميع من موقع الندّية لا الاستجداء.
ما الحل؟
●بناء “محور السيادة السوداني” الذي يعتمد على شراكات ذكية مع قوى متعددة، وفق قاعدة “لا صداقات دائمة، ولا عداوات دائمة، بل مصالح دائمة.”
●تعزيز التعاون مع القوى الصاعدة مثل مجموعة بريكس والاستفادة من التحولات الجيوسياسية لإعادة تعريف موقع السودان في النظام الدولي.
٣. الاقتصاد أولًا: دبلوماسية الموارد لا دبلوماسية البيانات
السودان ليس دولة فقيرة، بل دولة أُفقرت بسبب سوء استثمار مواردها. حان الوقت للانتقال من دبلوماسية الخطابات والمواقف إلى دبلوماسية الاقتصاد والاستثمار. يجب أن يكون لكل تحرك دبلوماسي هدف اقتصادي واضح، بحيث تتحول السفارات السودانية إلى مراكز جذب للاستثمارات والشراكات الاقتصادية.
كيف يُطبق ذلك؟
●إطلاق مبادرة “السودان المحوري”، وهي رؤية تقوم على توظيف الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية لخلق شبكة علاقات اقتصادية تعيد السودان إلى قلب التجارة الإقليمية والدولية.
●الاستفادة من الدبلوماسية السيادية عبر إبرام اتفاقيات شراكة تضمن الاستغلال الأمثل للموارد السودانية، مع احتفاظ السودان بالقرار السيادي عليها.
٤. الدبلوماسية المرنة: توظيف كل الأدوات الممكنة
●الدبلوماسية الأمنية: تعزيز العلاقات مع الدول المؤثرة عبر تبادل المعلومات والتعاون في مجال الأمن الإقليمي.
●الدبلوماسية الرقمية: الاستفادة من الثورة الرقمية في التأثير على الرأي العام العالمي.
●دبلوماسية القوة الناعمة: توظيف الفنون، الرياضة، والتعليم كأدوات لتعزيز الحضور السوداني عالميًا.
أصل القضية: نهاية البيروقراطية.. وبداية الدبلوماسية الفاعلة:
السودان يقف اليوم على أعتاب تحول تاريخي، وما بعد استعادة القصر الرئاسي يجب أن يكون بداية لسودان جديد، أقوى، أذكى، وأكثر حضورًا على الساحة الدولية.
لكن هذا لن يحدث بالأساليب القديمة، ولا بالانتظار حتى يحدد الآخرون دورنا. بل يحتاج إلى دبلوماسية تتحرك كالعقل المدبر لا كالمتفرج، تكتب التاريخ بدل أن تكون حاشية فيه.
فهل نحن مستعدون لصناعة هذا المستقبل؟