مقالات الرأي
أخر الأخبار

أصل القضية … هل تصنع الأزمات جسورًا جديدة؟ إستراتيجية الجسر والمورد معادلة البقاء في غزة والسودان .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في عالم مليء بالصراعات و الآلام، هل يمكن أن تكون الأزمات هي المفاتيح التي تفتح الأبواب المغلقة؟ هذا التساؤل يبرز اليوم بوضوح في ظل الأوضاع المشتعلة في غزة و السودان، حيث تواجه هاتان البقعتان من العالم تحديات وجودية، تتشابه في أبعادها السياسية و العسكرية، بل و في القوى الدولية التي تسعى للعبث بالسيادة و فرض إرادتها. و لكن هناك فارقٌ جوهري، و هو أن هاتين الأمتين رغم الظروف القاسية لا ترفعان راية الاستسلام بل تعملان على تحويل الأزمات إلى فرص استراتيجية في طريق بقاءٍ مشرف.

غزة: على شفا جُرُف هار:
في مطلع يناير 2025، و وسط أجواء من التفاؤل الحذر بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، تضع إسرائيل في حساباتها التمرد على هذه الاتفاقات و تحقيق أهدافها التوسعية على حساب الشعب الفلسطيني. و لكن ما يعجز العالم عن رؤيته، هو أن غزة التي تواجه هذا العدوان المستمر تملك من القوة الداخلية ما يجعلها قادرة على الصمود و المقاومة.
إن ما يحدث في غزة ليس مجرد صراع على الأرض، بل هو معركة تكريس هوية و وجود. فالقوى الدولية التي تحاول التسلل إلى قلب القضية الفلسطينية هي نفسها التي تحاول تدمير الاستقرار في السودان. هي ذات القوى التي دعمت وتمكنت من خلق حالة من الانقسام في السودان عبر مليشيا الدعم السريع التي لم تجدها سوى فرصة لتقويض السيادة السودانية.

السودان: حرب الكرامة في وجه القوى الدولية:
بدأت الحرب في السودان في 13 أبريل 2023، لتضاف إلى سلسلة طويلة من الحروب التي شهدتها البلاد، و لكنها في هذه المرة كانت حربًا ذات طابعٍ خاص. إنها حرب ضد أطماع دولية سعت لتدمير البنية السياسية و الاجتماعية للسودان من خلال دعم تمرد مليشيا الدعم السريع. و كما هو الحال في غزة، قوبل هذا العدوان الدولي بصمت رهيب من المجتمع الدولي، حتى أُطلق عليها “الحرب المنسية”.
ولكن، على عكس ما كان يتوقعه الجميع، رفع السودان راية “حرب الكرامة”. تلك الحرب التي لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت تحديًا لكرامة الأمة السودانية. فقد تحولت الهزائم المتتالية للقوى الدولية إلى انتصارات مُعترف بها، وأصبح السودان قوة لا يُستهان بها، وهو يثبت للعالم أن حروب السيادة لا تُقاس فقط بالقوة العسكرية، بل بما يحمله الشعب من عزيمة في الدفاع عن أرضه وحقوقه.

إستراتيجية الجسر و المورد: عندما تتحول الأزمات إلى جسور:
في هذا السياق، يمكننا أن نفهم أن استراتيجية الجسر و المورد ليست مجرد نظرية سياسية، بل هي خطة عملية تجسدها حرب السودان و حرب غزة. فالأزمات، بدلاً من أن تضعف، قد تكون أدوات للانتقال إلى مرحلة جديدة من البناء و التقدم. الجسر الذي يُبنى خلال الأزمات هو جسر من الفهم المتبادل و التعاون الإقليمي، و هو أيضًا جسر بين القوى الوطنية و الدولية، بحيث تتحول الموارد المتاحة – سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية – إلى وسائل تعزز من السيادة وتعزز من القوة الداخلية.
السودان في حربه ضد مليشيا الدعم السريع قد استطاع أن يبني هذا الجسر عبر التفوق العسكري و الاقتصادي على المليشيا، بينما غزة، رغم الحصار الشديد، استطاعت أن تبني جسورًا من الصمود و الشراكة الإقليمية لمواجهة العدوان الإسرائيلي. في كليهما، نجد أن الأزمات هي التي صنعت تحولات غير متوقعة بل و أدّت إلى انتصارات غير تقليدية.

القوى الدولية: بين الهيمنة و الاختبار الأخلاقي:
ما يربط بين غزة و السودان هو أن القوى الدولية التي تسعى للهيمنة على هاتين البقعتين هما نفسهما القوى التي تتخلى عن التزاماتها تجاه الشعوب، وتفتقر إلى الأخلاقيات في مواقفها. الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت و لا تزال جزءًا من هذا العدوان، تكاد تكون قد فقدت قدرتها على استيعاب أبعاد الأزمات الإنسانية في كلا البلدين، و هذا ما جعل الأمم المتحدة – المنظمة التي يفترض بها أن تكون منبرًا للسلام – في امتحان أخلاقي مروّع.
إن هذا الصمت الدولي أمام الظلم في السودان و غزة يُظهر أن القوى الكبرى ليست مجرد عامل تأثير على الأزمات، بل هي عامل فشل في إدارة هذه الأزمات، على الأقل في ظل التوقعات الإنسانية. و قد صار الصمت العربي والإسلامي في مواجهة هذا التدهور الدولي مادةً دسمة في كل وسائل الإعلام، و هي دعوة لاستنهاض الهمم الوطنية.

أصل القضية: تحويل الأزمة إلى فرصة استراتيجية:
أمام هذا المشهد المعقد، يظل “أصل القضية” هو تحويل الأزمات إلى فرصة للبقاء والانتقال إلى مرحلة جديدة من القوة الوطنية. لا يقتصر الأمر على النظر إلى هذه الأزمات من زاوية الدفاع فحسب، بل من خلال الفرص التي يمكن أن تُستغل لبناء تحالفات إقليمية، و تعزيز السيادة الوطنية و توفير الأمل في المستقبل.
السودان وغزة، على الرغم من ظروفهما الاستثنائية، قد أثبتا أن الأمم التي تصمد في وجه الأزمات تظل قادرة على تشكيل مصيرها. وتحويل “أزمة” إلى “فرصة” ليست مجرد فكرة، بل هي حقيقة فعلية يمكن أن تحمل الأمل لكل من يريد أن يرى العالم بأعين جديدة.
إذا كانت الأزمات هي المعركة، فإن تحويلها إلى جسر هو الانتصار الحقيقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى