أصل القضية … يسألونك عن التعويضات؟ قل: إستراتيجيةالجسر و المورد .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في تلك اللحظة التي يضع المواطن السوداني يده على قلبه، متسائلاً عن مصير التعويضات بعد سنوات الحرب و الدمار، يتوقع إجابة تقليدية: “ستُصرف التعويضات قريبًا، و ستكون لنا.” لكن دعونا نتجاوز التوقعات السطحية و نبحث في ما وراء المال. كيف يمكن أن تكون التعويضات أكثر من مجرد دفعات مالية عابرة؟ كيف تتحول إلى قوة تغيير جذرية تحرّك السودان نحو الاستقرار و النماء الحقيقي؟
هنا يأتي دور الصناديق السيادية. ليست الصناديق مجرد أدوات اقتصادية لتكديس الثروات؛ بل هي منصات إستراتيجية تضمن أن الأموال تُستثمر بحكمة لخلق مستقبل طويل الأمد. المواطن الذي يسأل عن حقه في التعويض يجب أن يعلم أن هذا الحق لا يُقاس بالمبلغ المالي الذي سيُضاف إلى جيبه غدًا، بل في كيف يمكن أن تصنع هذه التعويضات فرقًا حقيقيًا في حياته و حياة أجياله القادمة.
لنبدأ من الفكرة الأساسية: إدارة التعويضات ليست مجرد حل مؤقت؛ إنها مشروع لبناء السودان. ما الذي يجعلنا نتمسك بالصناديق السيادية كحل؟ لأن هذه الصناديق قادرة على تحويل تلك التعويضات إلى مشروعات تنموية ضخمة تُسهم في إعادة بناء الوطن و تحقيق التنمية المستدامة. السودان اليوم لا يحتاج إلى أموال سريعة تُستهلك بلا أثر، بل إلى خطة محكمة تُعيد بناء البنية التحتية، و تُعزز قطاعات حيوية كالتعليم، و الصحة، و الزراعة و الطاقة.
لكن كيف يعمل هذا؟ تخيل معي: بدلاً من توزيع الأموال بشكل مباشر على الأفراد، يتم إنشاء صناديق سيادية تحت إدارة مستقلة وشفافة، تُستخدم لتعزيز القطاعات الإنتاجية الرئيسية في البلاد. يمكن لهذه الصناديق تمويل مشروعات ضخمة مثل إعادة تأهيل الأراضي الزراعية، بناء مشروعات الطاقة المتجددة، تطوير التعليم و التكنولوجيا، و كل هذا من أجل صناعة اقتصاد متكامل يوفر وظائف و يعزز الاكتفاء الذاتي. التعويضات ليست مجرد حق مالي، بل ركيزة لبناء اقتصاد متين.
و الآن، ماذا عن المواطن العادي؟ كيف يمكنه أن يرى تلك الصناديق تعمل لصالحه؟ هنا يأتي الحل الثاني: جزء من هذه الصناديق يُستثمر في مشروعات محلية تُحسن من مستوى الحياة اليومية، مثل تطوير البنية التحتية في المناطق الريفية، دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإنشاء برامج تمويل لرواد الأعمال الشباب. التعويضات يجب أن تصبح شرارة تشعل الإبداع المحلي، و تعيد الثقة بين المواطن و الدولة بأن ما يستحقه أكثر من مجرد تعويض مالي؛ إنه حق في حياة كريمة و مستقبل مزدهر.
الأمر لا يقف هنا. في عالم متشابك كالعالم الذي نعيش فيه اليوم، السودان يجب أن يكون جزءًا من النظام الاقتصادي العالمي. و هنا يمكن للصناديق السيادية أن تلعب دورًا أكبر في جذب الاستثمارات الأجنبية، و توجيه تلك الاستثمارات نحو مشروعات إستراتيجية في البلاد. ليس من المنطقي أن ننتظر المعونات الخارجية، بل علينا أن نبدأ بأنفسنا، باستثمار تعويضاتنا في بناء مستقبل مستدام ثم دعوة العالم ليكون شريكًا في نجاحنا.
و النتيجة؟ لن تكون التعويضات مجرد مبلغ مالي يتبخر مع مرور الوقت. ستكون رأس مال استثماري يُـسهم في بناء دولة مستقرة قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية و السياسية. بهذا الشكل، ننتقل من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل، حيث يكون للسودان رؤية متكاملة لاستغلال موارده بشكل يحقق الفائدة لكل مواطن.
الرسالة هنا بسيطة لكنها ثورية: التعويضات ليست مجرد حل سريع لإنهاء آثار الحرب، إنها مشروع بناء مستقبلي. السودان يحتاج إلى إدارة حكيمة لهذه الأموال، و لن يكون ذلك إلا من خلال الصناديق السيادية التي تدير الثروات بمسؤولية و إستراتيجية بعيدة المدى.
أصل القضية، عندما يسألك المواطن السوداني عن التعويضات، قل له بكل يقين: إنها أكثر من مجرد مال؛ إنها خطط لمستقبل يستحقه، إنها بداية لمرحلة جديدة من التنمية و الاستقرار. هذه التعويضات ليست نهاية الحرب، بل بداية السلام و التنمية التي طالما حلمنا بها. و الصناديق السيادية هي الجسر الذي سيعبر بنا إلى ذلك المستقبل.
هذا هو الطريق.