أصل القضية .. يسألونك عن العقوبات؟ فقل: “إستراتيجية الجسر والمورد” .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

العقوبات الاقتصادية هي إحدى الأدوات السياسية التي تستعملها الدول الكبرى لإجبار الأنظمة و الحكومات على اتخاذ مواقف أو إجراءات معينة، و مع ذلك، يظل تأثيرها مختلفاً بين دولة و أخرى حسب جاهزيتها لمواجهة هذا النوع من الضغط. فبينما تسقط بعض الدول تحت وطأة العقوبات تصمد أخرى و تحول تلك التحديات إلى فرص. هنا يتجلى السؤال الأهم: هل العقوبات قدر محتوم، أم أنها يمكن أن تصبح محفزاً لإعادة صياغة النهج السياسي و الاقتصادي؟ و هنا تحديداً تأتي “استراتيجية الجسر و المورد” لتُجيب عن هذا التساؤل بطرح ملهم و مبتكر.
إن “استراتيجية الجسر و المورد” تمثل تحولًا جذريًا في النظرة التقليدية للعقوبات. فهي لا ترى في العقوبات مجرد عائق أو قيود تُفرض على الدول، بل تراها فرصة سانحة لإعادة ترتيب الأولويات الوطنية و الاعتماد بشكل أكبر على الذات من خلال استثمار الموارد المحلية المتاحة. إذ تقدم الاستراتيجية مفهومًا جديدًا يتجاوز رد الفعل السلبي إلى حراك إيجابي يركز على تحويل العقوبات إلى قوة دافعة للتطوير و التغيير.
كيف تعمل إستراتيجية الجسر و المورد؟
الإستراتيجية تقوم على ركيزتين أساسيتين: الجسر و المورد. يمثل “الجسر” العلاقات التي تبنيها الدولة مع الفاعلين الدوليين، ليس من باب الخضوع للضغوط الخارجية، بل من خلال بناء تحالفات و تعاونات تستند إلى مصالح مشتركة تتجاوز الأنظمة التقليدية. أما “المورد”، فهو استثمار الموارد المحلية للدولة، سواء كانت طبيعية أو بشرية، لتوليد الاستقلال الاقتصادي و تجنب الاعتماد المفرط على القوى الخارجية.
في حالة مواجهة العقوبات، تصبح إستراتيجية الجسر و المورد حلاً مبتكرًا؛ إذ تعتمد الدولة على بناء علاقات جديدة مع دول صديقة لم تتورط في فرض العقوبات ما يخلق لها مساحات حركة أوسع. كما تحفز العقوبات على تطوير الصناعات المحلية من خلال تفعيل القدرات الوطنية المعطلة سابقاً، مما يخلق فرص عمل جديدة و يساهم في خلق اقتصاد مستقل و مستدام.
السودان و العقوبات: فرصة أم تحدي؟
في ظل التغيرات الجيوسياسية، يجد السودان نفسه في قلب العاصفة. العقوبات المفروضة عليه ليست بجديدة، و مع ذلك، فإن تطبيق “إستراتيجية الجسر و المورد” في سياق هذه العقوبات قد يكون المفتاح لمستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً. من خلال بناء جسور جديدة مع دول إقليمية و عالمية تبحث عن التعاون بدلاً من الهيمنة يستطيع السودان توسيع آفاقه الاقتصادية و السياسية.
أما على صعيد الموارد، فإن السودان يمتلك ثروات طبيعية هائلة من أراضٍ زراعية، و موارد معدنية، و مياه، و صمغ عربي و غيرها. هذا المورد يمكن أن يصبح عمود فقري لاقتصاد مستقل وقادر على تحمل العقوبات. لكن الأمر لا يتوقف هنا؛ بل يجب استثمار هذه الموارد بحكمة، و تحويلها إلى منتجات نهائية قادرة على التنافس في الأسواق العالمية.
الجسر و المورد: رؤية للأجيال القادمة
“إستراتيجية الجسر و المورد” ليست مجرد حل مؤقت لتجاوز العقوبات، بل هي رؤية طويلة الأمد لبناء دولة قادرة على الاستفادة من مواردها و إقامة علاقات دولية متوازنة و مستدامة. هذه الإستراتيجية توفر إطاراً للعمل الوطني يقوم على الاستقلال و الابتكار و يمنح الأجيال القادمة فرصة لإدارة مواردها بكفاءة و مسؤولية.
أصل القضية: يسألونك عن العقوبات؟ ، قل لهم إن العقوبات ليست نهاية المطاف. فهي قد تكون صفحة جديدة في كتاب الدولة، حيث تعيد ترتيب أوراقها، تبني جسوراً جديدة، و تستثمر مواردها بذكاء لتحقيق السلام و الازدهار. باختصار، قل لهم: “إستراتيجية الجسر و المورد”.