مقالات الرأي
أخر الأخبار

استئناف الزمن لموسم سقوط العَفَن .. بقلم/ اللواء (م) مازن محمد إسماعيل

▪️استبداد نظام عائلة الأسد في سوريا، و مجازره التي لم تبدء بمذبحة حماة ١٩٨٢م ، و لم تنتهِ بحرب الثلاثة عشر عاماً التي مضت في سوريا .. جعلت سوريا حطاماً في كل شئ (إنسانياً، سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، بنيوياً …الخ) ، و هذا وحده يجعل من عملية استعادة الاستقرار في سوريا عمليةً محفوفة بتحدياتٍ هائلة، ناهيك عما تفرضه التدخلات الخارجية و التي لا يشك متابعٌ بأنها كان لها الأثر الأكبر في العملية السريعة و السَّلِسة في إسقاط نظام عائلة الأسد الملعونة في السماء و الأرض، فالحُكم الذي وطَّدوا أركانه بدماء الأبرياء طوال ٥٤ سنةً من الظلم و الخيانة، قد نقض الجبار ﷻ بنيانه من القواعدة في عشرة أيامٍ حسوماً ،و لا عجب أن خذلهم من ظنُّوهم لهم حٌلَفاء، فلطالما نفر الناس من الحمولة القذرة و قليلةٌ هي العائلات التي تنافس عائلة الأسد قذارة.

▪️في سوريا اليوم العديد من التنظيمات المسلحة البارزة و المتفاوتة و المتباينة، و كلها تتلقى الدعم من أطرافٍ إقليميةٍ و دوليةٍ مختلفة، و أهم هذه الفصائل:
١. الجيش الوطني السوري (SNA) وهو مظلة الفصائل المدعومة من تركيا في شمال سوريا ، ويُقدّر عدد مقاتليه بعشرات الآلاف.
٢. هيئة تحرير الشام (HTS) يعتبر من أقوى الفصائل المسلحة في سوريا، و هي نتجت عن تحالفات قادتها جبهة النصرة التي كانت مدعومةً سعودياً، و كانت لديها هيمنة عسكرية وإدارية في منطقة إدلب و حالياً هي التي قادت عملية إسقاط النظام بدعمٍ تركي.
٣. قوات سوريا الديمقراطية (SDF) ،و تدعمها الولايات المتحدة و إسرائيل ، و تضم وحدات حماية الشعب الكردية بالإضافة إلى فصائل عربية أخرى تسيطر على مناطق واسعة في شمال و شرق سوريا.
٤. الجبهة الجنوبية مجموعة من الفصائل في الجنوب السوري ، كان لها دورٌ بارز في درعا والسويداء ، تلقت دعماً من الولايات المتحدة والأردن.
٥. لواء فرسان الجولان و المنتشر في مناطق محافظة القنيطرة، و هو فصيل مدعوم بالكامل من إسرائيل من خلال برنامج Operation Good Neighbor و الذي أطلقته إسرائيل عام ٢٠١٦م ، و يعمل على تأمين حدودها مع سوريا.
٦. تنظيم داعش و الذي على الرغم من فقدانه السيطرة الإقليمية إلا أنه لا يزال نشطاً في بعض المناطق مثل البادية السورية و يشن هجمات متفرقة ضد قوات النظام و قوات سوريا الديمقراطية.
٧. الجيش العربي السوري و حلفاؤه حزب الله و الفاطميون الأفغان و الذي كان يحمي النظام و تدعمه إيران و روسيا.

▪️سوريا اليوم تعُجُّ بالعديد من الوجود العسكري الأجنبي الإقليمي والدولي ، والذي صنع له نفوذاً محلياً من المكونات السياسية والعسكرية والمجتمعية السورية ، ويتباين هذا الوجود الأجنبي من حيث الحجم والتأثير:
١. روسيا تمتلك نحو ١١٤ موقعاَ عسكرياً في سوريا بما في ذلك قواعد كبيرة في حميميم وطرطوس.
٢. تركيا لديها نحو ١٢٦ موقعاً عسكرياً في سوريا تشمل قواعد و نقاط مراقبة، و تستخدم هذه القوات للحد من النفوذ الكردي و لتعزيز أمن حدودها.
٣. الولايات المتحدة الأمريكية لديها ٢٨ موقعاً عسكرياً داخل سوريا تتوزع على محافظات حمص، و الحسكة، ودير الزور و حلب.

٤. إسرائيل استغلت سقوط النظام فتمددت بقواتها على امتداد الخط الحدودي بعمق عدة كيلومترات مابين محافظتي القنيطرة و درعا، فارضةً ما أسمته منطقة عازلة Buffer Zone و طيرانها ينشط في تدمير المطارات و مخازن الأسلحة السورية.
٥. كانت القوات الإيرانية تنتشر في ٥٢٩ موقعاً عسكرياً داخل سوريا ، ويمتد انتشارها من محافظات حلب ودير الزور وريف دمشق وحمص وحماة وإدلب والقنيطرة واللاذقية ودرعا والرقة والسويداء وطرطوس ، ولا شك أن سقوط النظام قد يكون قد صاحبه عملية إعادة انتشار وتموضع لهذه القوات.

▪️سيكون موغلاً في الخيال من ظن أن نظام الأسد قد سقط رغم أنف روسيا وإيران ، وما حدث في سوريا من توافقٍ جمع أمريكا وإسرائيل وتركيا وروسيا وإيران (وغيرهم) على قيادة أحمد الشرع لهذا التغيير … يعطي الكثيرون دروساً غايةً في الأهمية وعلى رأسها:-
١. السياسة هي فن صناعة البدائل وليست هي فن الممكن.
٢. في السياسة مُتَّسعٌ للتفاهم و التوافق و العمل المشترك مهما بلغت حِدَّة العداء.
٣. تقاطع المصالح قد يقتضي خياراتٍ يراها البعض مستحيلة.
٤. كما ابتلعت روسيا و إيران سقوط الأسد فقد ابتلعت أمريكا و إسرائيل قيادة الجولاني للتغيير.

▪️إن أهم درس ينبغي أن نتعلمه في السودان هو أن لا مساومة على إقحام أي طرف أجنبي في شأننا الداخلي ، فالسياسة اليوم لا يمكن التعويل فيها على أدنى مستوى من القيم ، ومتى ما تم التنازل عن السيادة الوطنية .. فذاك فراق استعادة الاستقرار و إن تحقق الانتصار، و إن أعدى أعداء السودان ليسوا أولئك الذين يقاتلون جيشنا في الميدان، بل أعدى منهم أولئك الذين يريدون أن يُخضِعوا جيشنا و مقاومتنا الشعبية على موائد التفاوض الأجنبية … فذلك أكذب أنواع الانتصار و الاستقرار، و لو كانت الإرادة الدولية تجلب خيراً لكنا رأيناه و إخوتنا في جنوب السودان باتفاق السلام الشامل ٢٠٠٥م.

▪️و مع دعواتنا المخلصة لإخواننا في سوريا أن يؤلِّف الله بين قلوبهم ، و يرُدَّ عنهم كيد الكائدين و ما ذلك على الله بعزيز .. غير أننا نقول لأهلنا في السودان أن قد خلت من قبلكم سُنن فسيروا في الأخبار فانظروا كيف كان عاقبة المُستسلمين للإرادة الإقليمية و الدولية .. نقول هذا و فينا الذين يطيرون هنا و هناك يريدون استنساخ النموذج السوري بدعوى فتح المسارات الإنسانية بقوات إفريقية و غير إفريقية ، و قد علتِ الأصوات دون خجل بأن موقفنا الرسمي اليوم هو استجداء التفاوض مع الإمارات و الإمارات تتمنَّع ، و لعمري قد أعيانا الوصف فيما فاق ما قيل في شأن هدبة بن خشرم ، و الحقُّ أن الرجال مواقف ، و أن لكلِّ امرئٍ من دهره ما تعوَّدا.

٩ ديسمبر ٢٠٢٤م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى